للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لمّا رأى الليل قد كاد ينتصف، وعموده يريد أن ينقصف، ومجال الوصايا أكثر ممّا يصف، قال: يا أمير المؤمنين، بحر السّياسة زاخر، وعمر التّمتّع «١» بناديك العزيز «٢» مستأخر، فإن أذنت في فنّ من فنون الأنس يجذب بالمقاد، إلى راحة الرّقاد، ويعتق النّفس بقدرة ذي الجلال، من ملكة الكلال «٣» . فقال: أما والله قد استحسنّا ما سردت، فشأنك وما أردت. فاستدعى عودا فأصلحه حتى أحمده «٤» ، وأبعد في اختياره أمده. ثم حرّك فمه «٥» ، وأطال الحسن ثمّه، ثم تغنّى بصوت يستدعي الإنصات، ويصدع الحصاة «٦» ، ويستفزّ الحليم عن وقاره، ويستوقف الطّير ورزق بنيه في منقاره، وقال: [الخفيف]

صاح، ما أعطر القبول بنمّه ... أتراها أطالت اللبث «٧» ثمّه؟

هي دار الهوى منى النّفس فيها ... أبد الدّهر والأمانيّ جمّه

إن يكن ما تأرّج الجوّ منها ... واستفاد الشّذا وإلّا فممّه

من بطرفي «٨» بنظرة ولأنفي ... في رباها وفي ثراها بشمّه

ذكر العهد فانتفضت كأنّي ... طرقتني من الملائك لمّه

وطن قد نضيت فيه شبابا ... لم تدنّس منه البرود مذمّه

بنت عنه والنفس من أجل من قد «٩» ... خلّفته خلاله «١٠» مغتمّه

كان حلما فويح من أمّل الدّه ... ر وأعماه جهله وأصمّه

تأمل العيش بعد أن أخلق «١١» الجس ... م وبنيانه عسير المرمّه

وغدت وفرة الشّبيبة بالشّي ... ب على رغم أنفها معتمّه

فلقد فاز مالك «١٢» جعل اللّ ... هـ إلى الله قصده ومأمّه

من يبت من غرور دنيا بهمّ ... يلدغ القلب أكثر الله همّه