ثم لمّا رأى الليل قد كاد ينتصف، وعموده يريد أن ينقصف، ومجال الوصايا أكثر ممّا يصف، قال: يا أمير المؤمنين، بحر السّياسة زاخر، وعمر التّمتّع «١» بناديك العزيز «٢» مستأخر، فإن أذنت في فنّ من فنون الأنس يجذب بالمقاد، إلى راحة الرّقاد، ويعتق النّفس بقدرة ذي الجلال، من ملكة الكلال «٣» . فقال: أما والله قد استحسنّا ما سردت، فشأنك وما أردت. فاستدعى عودا فأصلحه حتى أحمده «٤» ، وأبعد في اختياره أمده. ثم حرّك فمه «٥» ، وأطال الحسن ثمّه، ثم تغنّى بصوت يستدعي الإنصات، ويصدع الحصاة «٦» ، ويستفزّ الحليم عن وقاره، ويستوقف الطّير ورزق بنيه في منقاره، وقال:[الخفيف]