فعام إلى حجّ وعام لغزوة ... فيعرفه البيت العتيق ووافده
ولم يثنه يوما عن العلم والتّقى ... كواعب حسن تنثني ونواهده
وأكثر سكناه بقفر بحيث لا ... تناغيه إلّا عفره وأوابده
وما قوته إلّا شعير يسيغه ... بماء قراح ليس تغشى موارده
عزوبا عن الدنيا وعن زهراتها ... وشوقا إلى المولى وما هو واعده
ولمّا رأى من سيبويه نجابة ... وأيقن أنّ الحين أدناه باعده
تخيّره إذ كان وارث علمه ... ولاطفه حتّى كأن هو والده
وعلّمه شيئا فشيئا علومه ... إلى أن بدت سيماه واشتدّ ساعده
فإذ ذاك وافاه من الله وعده ... وراح وحيد العصر إذ جاء واحده
أتى سيبويه ناشرا لعلومه ... فلولاه أضحى النحو «١» عطلا شواهده
وأبدى كتابا كان فخرا وجوده ... لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده
وجمّع فيه ما تفرّق في الورى ... فطارفه يعزى إليه وتالده
بعمرو بن عثمان بن قنبر الرّضا ... أطاعت عواصيه وتابت شوارده
عليك قران «٢» النحو نحو ابن قنبر ... فآياته مشهودة وشواهده
كتاب أبي بشر «٣» فلا تك قارئا ... سواه فكلّ ذاهب الحسن فاقده
هم خلج بالعلم مدّت فعندما ... تناءت غدت تزهى وليست تشاهده
ولا تعد عمّا حازه إنه الفرا ... وفي جوفه كلّ الذي أنت صائده «٤»
إذا كنت يوما محكما في كتابه ... فإنّك فينا نابه القدر ماجده
ولست تبالي إن فككت رموزه ... أعضّك دهر أم عرتك ثرائده
هو العضب إن تلق الهياج شهرته ... وإن لا تصب حربا فإنّك غامده
تلقّاه كلّ بالقبول وبالرّضى ... فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده
ولم يعترض فيه سوى ابن طراوة ... وكان طريّا لم تقادم معاهده
وجسّره طعن المبرّد قبله ... وإنّ الثّمالي بارد الذّهن خامده