هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة ... يزيّف ما قالا وتبدو مفاسده
تكون صحيح العقل حتى إذا ترى ... تباري أبا بشر، إذا أنت فاسده
يقول امرؤ قد خامر الكبر رأسه ... وقد ظنّ أنّ النحو سهل مقاصده
ولم يشتغل إلّا بنزر مسائل ... من الفقه في «١» أوراقه هو راصده
وقد نال بين الناس جاها ورتبة ... وألهاك عن نيل المعالي ولابده
وما ذاق للآداب طعما ولم يبت ... يعنّى بمنظوم ونثر يجاوده
فينكح أبكار المعاني ويبتغي ... لها الكفو من لفظ بها هو عاقده
رأى سيبويه فيه بعض نكادة ... وعجمة لفظ لا تحلّ معاقده
فقلت: أما أتى «٢» ما أنت أهل لفهمه ... وما أنت إلّا غائض الفكر راكده
لعمرك ما ذو لحية وتسمّت ... وإطراق رأس والجهات تساعده
فيمشي على الأرض الهوينا كأنما ... إلى الملإ الأعلى تناهت مراصده
وإيهامك الجهّال أنّك عالم ... وأنّك فرد في الوجود وزاهده
بأجلب للنّحو الذي أنت هاجر ... من الدّرس بالليل الذي أنت هاجده
أصاح، تجنّب من غويّ مخذّل ... وخذ في طريق النّحو أنّك راشده
لك الخير فادأب ساهرا في علومه ... فلم تشم إلّا ساهر الطّرف ساهده
ولا ترج في الدنيا ثوابا فإنما ... لدى الله حقا أنت لا شكّ واجده
ذوو النحو في الدنيا قليل حظوظهم ... وذو الجهل فيها وافر الحظّ زائده
لهم أسوة فيها على لاغد «٣» مضى ... ولم يلق في الدنيا صديقا يساعده
مضى بعده عنها الخليل فلم ينل ... كفافا ولم يعدم حسودا يناكده
ولاقى أبا بشر خليل «٤» سفيهها ... غداة تمالت في ضلال يمادده
أتى نحو هارون «٥» يناظر شيخه ... فنفحته «٦» حتّى تبدّت مناكده
فأطرق شيئا ثم أبدى جوابه ... بحقّ ولكن أنكر الحقّ جاحده
وكاد علي عمرا إذا صار حاكما ... وقدما عليّ كان عمرو يكايده
سقاه بكأس لم يفق من خمارها ... وأورده الأمر الذي هو وارده