أما واعظي شيب سما فوق لمّتي ... (سموّ حباب الماء حالا على حال)
أنار به ليل الشّباب كأنه ... (مصابيح رهبان تشبّ لقفّال)
نهاني عن غيّ وقال منبّها ... (ألست ترى السّمّار والناس أحوالي) ؟
يقولون غيّره لتنعم برهة ... (وهل يعمن «١» من كان في العصر الخالي) ؟
أغالط «٢» دهري وهو يعلم أنني ... (كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي)
ومؤنس نار الشّيب يقبح لهوه ... (بآنسة كأنّها خطّ تمثال) «٣»
أشيخا وتأتي فعل من كان عمره ... (ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال)
وتشغفك الدّنيا وما إن شغفتها ... (كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي)
ألا إنّها الدنيا إذا ما اعتبرتها ... (ديار لسلمى عافيات بذي خال)
فأين الذين استأثروا قبلنا بها ... (لناموا فما إن من حديث ولا صال)
ذهلت بها غيّا «٤» فكيف الخلاص من ... (لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي)
وقد علمت مني مواعيد توبتي ... (بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال)
ومذ وثقت نفسي بحبّ محمد ... (هصرت بغصن ذي شماريخ «٥» ميّال)
وأصبح شيطان الغواية خاسئا ... (عليه قتام «٦» سيّء الظّنّ والبال)
ألا ليت شعري هل تقول عزائمي ... (لخيلي كرّي كرّة بعد إجفال)
فأنزل دارا للنّبيّ «٧» نزيلها ... (قليل هموم ما يبيت بأوجال)
فطوبى لنفس جاورت خير مرسل ... (بيثرب أدنى دارها نظر عالي)
ومن «٨» ذكره عند القبول تعطّرت ... (صبا وشمأل في منازل قفّال)
جوار رسول الله مجد مؤثّل ... (وقد يدرك المجد المؤثّل أمثالي)
ومن «٩» ذا الذي يثني عنان السّرى وقد ... (كفاني، ولم أطلب، قليلا من المال)
ألم تر أنّ الظّبية استشفعت به ... (تميل عليه هونة غير مجفال)