للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها «١» : وتعرّفت ما كان من مراجعة سيدي لحرفة التّكتيب والتّعليم، والحنين إلى العهد القديم، فسررت باستقامة حاله، وفضل ماله، وإن لا حظ الملاحظ «٢» ، ما قال الجاحظ «٣» ، فاعتراض لا يردّ، وقياس لا يضطرد «٤» ، حبّذا والله عيش أهل «٥» التّأديب، فلا بالضّنك ولا بالجديب «٦» ، معاهدة الإحسان، ومشاهدة الصّور الحسان، يمينا إنّ المعلّمين، لسادة المسلمين، وإنّي لأنظر منهم كلما خطرت على المكاتب، أمراء «٧» فوق المراتب، من كل مسيطر الدّرّة، متقطّب الأسرّة، متنمّر للوارد تنمّر الهرّة، يغدو إلى مكتبه، كالأمير»

في موكبه، حتى إذا استقلّ في فرشه، واستولى على عرشه، وترنّم بتلاوة قالونه «٩» وورشه، أظهر للخلق احتقارا، وأزرى «١٠» بالجبال وقارا، ورفعت إليه الخصوم، ووقف بين يديه الظّالم والمظلوم، فتقول: كسرى في إيوانه، والرّشيد في زمانه «١١» ، والحجّاج بين أعوانه. وإذا «١٢» استولى على البدر السّرار، وتبيّن للشهر الغرار «١٣» ، تحرّك «١٤» إلى الخرج «١٥» ، تحرّك العود «١٦» إلى الفرج، أستغفر الله مما يشقّ على سيدي سماعه، وتشمئزّ من ذكره «١٧» طباعه، شيم اللّسان، خلط الإساءة بالإحسان، والغفلة من صفات الإنسان. فأيّ عيش هذا «١٨» العيش، وكيف حال أمير هذا الجيش؟ طاعة معروفة، ووجوه إليه مصروفة، فإن أشار بالإنصات، تتحقق الغصّات «١٩» ، فكأنّما طمس الأفواه «٢٠» ، ولأم بين الشّفاه، وإن أمر بالإفصاح، وتلاوة الألواح، علا الضّجيج والعجيج، وحفّ به كما حفّ بالبيت الحجيج. وكم بين ذلك من رشوة تدسّ، وغمزة لا تحسّ، ووعد يستنجز، وحاجة تستعجل وتحفز. هنّأ الله سيدي ما خوّله، وأنساه بطيب آخره أوّله. وقد بعثت