وقد أخمدت نار الخليل بنورها ... وكان لموسى عن أشعّتها بهت
وهبّت لروح الله روح نسيمها ... فأبصره الأعمى وكلّمه الميت
وسار بها المختار سيري لربّه ... إلى حيث لا فوق هناك ولا تحت
هنيئا لمن قد أسكرته بعرفها ... لقد نال ما يبغي وساعده البخت
ومن نثر الأستاذ الجليل أبي القاسم بن خلصون المترجم به، قوله من رسالة:
وصلني أيها الابن النّجيب، المخلص الحبيب، كتابك الناطق بخلوص ودّك، ورسوخ عهدك، وتلك سجيّة لائقة بمجدك، وشنشنة تعرف من والدك وجدّك، وصل الله أسباب سعدك، وأنهض عزم جدّك، بتوفيق جدّك، وبلّغك من مأمولك أقصى قصدك. فلتعلم أيها الحبيب أن جناني، ينطوي لكم أكثر مما ينشره لساني، فإني مغرى بشكركم وإن أعجمت، ومفصح بجميل ذكركم وإن جمجمت، لا جرم أنّ الوقت حكم بما حكم، واستولى الهرج فاستحكم، حتى انقطعت المسالك، وعدم الوارد والسّالك، وذلك تمحيص من الله جار على قضيّة قسطه، وتقليب لقلوب عباده بين إصبعي قبضه وبسطه، حين مدّ على الخليقة ظلّ التّلوين، ولو شاء لجعله ساكنا، ثم جعل شمس المعرفة لأهل التّمكين، عليه دليلا باطنا، ثم قبض كل الفرق عن خاصيته قبضا يسيرا، حتى أطلع عليهم من الأنس بدرا منيرا. وإلى ذلك يا بنيّ، فإني أحمد الله تعالى إليك على تشويقه إيّاك إلى مطالعة كتب المعارف، وتعطّشك للورود على بحر اللّطائف. وإنّ الإمام أبا حامد «١» ، رحمه الله، لممن أحرز خصلها، وأحكم فرعها وأصلها، لا ينكر ذلك إلّا حاسد، ولا يأباه إلّا متعسّف جاحد. هذا وصفه، رحمه الله، فيما يخصّه في ذاته. وأما تعليمه في تواليفه، وطريقه التي سلكها في كافّة تصانيفه؛ فمن علمائنا، رضي الله عنهم، من قال: إنه خلط النّهاية بالبداية، فصارت كتبه أقرب إلى التّضليل منها إلى الهداية، وإن كان لم يقصد فيها إلّا النّفع فيما أمّه من الغرض، فوجد في كتبه الضّرر بالعرض، وممن قال بهذا الفقيه الحكيم أبو بكر بن الطّفيل «٢» ، قال: وأما أبو حامد، فإنه مضطرب التأليف، يربط في موضع، ويحلّ في آخر، ويتمذهب بأشياء، ويكفر بها، مثل أنه كفّر الفلاسفة باعتقادهم أن المعاد