ومعلوم أنه لا يحصل هذا المقصود إلا إذا حصلت الثقة بما يبلغه منه تعالى، وذلك بالعصمة عن الكذب في جميع ما يقوله عنه تعالى فيثبت أنه لو لم يثبت الصدق في جميع الأمور لم يحصل مقصود الرسالة، وإذا لم يثبت مقصود الرسالة فكأنه لم تثبت الرسالة فثبت أن الصدق في جميع الأمور من ضرورة الصدق في الرسالة وحينئذ يندفع الدور.
وثانيهما: وهو الأقوى أن التصديق بالمعجزة تصديق بالفعل والقرينة وذلك لا يتوقف على الصدق في المقال. ألا ترى أن المكذب في ادعاء الرسالة عن ملك إذا استدعى منه تصديقه فدام المكذبين وقال له: أيها الملك، إن كنت صادقا فيما أدعيه من الرسالة عنك وفيما بلغتهم عنك وكان الملك قد علم ذلك فخالف عادتك وقم من مقامك هذا ثلاثا واقعد، فإنه إذا فعل الملك ذلك اضطر الحاضرون إلى العلم بصدق ذلك المكذب في تلك الدعوى، وإن كان الملك ممن عهد منه الكذب، فثبت أن التصديق بالفعل والقرينة لا يتوقف على الصدق في المقال.
وأيضا فإن الإنسان إذا أخبر عن غيره بأنه عطشان فلو صدقه ذلك الشخص بالقول لا يحصل القطع / (٦٤/أ) بعطشه بل لا يحصل الظن إذا كان كذوبا، فأما إذا صدقه بالفعل والقرينة بأن يكون لسانه خارجا، والعرق يسيل منه، ووقع في ماء وشرب منه فإنه يحصل منه التصديق ولا يلزم من جعل التصديق بخلق المعجزة نازلا منزلة التصديق بالقول في إفادة الصدق، وجعله نازلا منزلته في اعتبار جميع الأمور المعتبرة فيه.
وأما المسلك الذي اختص به أصحابنا في ذلك فهو: أن كلامه تعالى معنى قائم بذاته تعالى، ويستحيل الكذب في الكلام النفساني على