الخبر الذي لا يكون مطابقا للمخبر عنه - في الظاهر - وإن كان بحيث لو أضمر في زيادة أو قدر فيه نقصان أو تغيير صح، لأنه حينئذ يلزم كذب نحو قوله تعالى:{وأتيت من كل شيء}، وقوله تعالى:{خالق كل شيء} بل المراد منه الخبر الذي لا يكون مطابقا في الظاهر، ولا يمكن أن يصير مطابقا بسبب إضمار أو نقصان، أو تغيير، وحينئذ يصير الكذب المحكوم عليه بالقبح غير ممكن الوجود؛ لأنه لا خبر يفرض كونه كذبا إلا وهو محال متى أضمر فيه زيادة، أو قدر فيه نقصان، أو تغيير صار صدقا وحينئذ يرتفع الأمان عن جميع ظواهر الكتاب والسنة.
ثم أورد على نفسه سؤالا وقال: لو كان المراد منه غير ظواهرها - لوجب أن يبينها الله تعالى -، وإلا لكان تلبيسا، وهو غير جائز وبتقدير أن يكون ذلك جائزا لم يكن في كلام الله تعالى فائدة فيكون عبثا وهو على الحكيم محال.
وأجاب عن الأول: بأنه إن عنى بالتلبيس: الفعل الذي لا يحتمل إلا التجهيل فهو غير لازم؛ ضرورة احتمال الكلام لغير ظاهره، وإن عنى به الفعل الذي ظاهره التجهيل وإن كان محتملا لغيره فمثله لا نسلم أنه لا يجوز منه تعالى؛ وهذا لأن إنزال المتشابهات جائز منه بالاتفاق مع أن ظاهره التجهيل، وعن الثاني بأن العبث إنما يلزم لو لم يكن له تعالى فيه غرض ما وهو ممنوع؛ وهذا لأنه يجوز أن يكون غرضه تعالى غير الظاهر كما في إنزال المتشابهات.
فإن قلت: ذلك عندنا مشروط بقيام الدلالة على امتناع ما أشعر به ظاهر الكلام، وإلا لم يكن ذلك جائزا.