وثانيها: أن التكاليف مبنية على المصالح ودفع المفاسد، وإلا لزم العبث وهو منفي عن الحكيم، وتجويز الأمر باتباع خبر الواحد مع احتمال كونه كذبا مفضيا إلى سفك دم معصوم، واستحلال بضع محرم تجويز للأمر باتباع المفاسد وأنه ينفي البناء على المصالح ودفع المفاسد؛ ولهذا لم يجز ورود التكليف بالعلم بخبر الفاسق والصبي في الأحكام الشرعية وفاقا.
ولا ينقض هذا بالشهادة، فإنه أيضا محتملة للكذب مع ورود التكليف / (٧٥/أ) باتباعها؛ لأن الفرق بينهما حاصل من وجهين:
أحدهما: أن الخبر يثبت شرعا عاما في حق الكل بخلاف الشهادة فإنها لا تثبت، بل هي شرط للإثبات لا في حق كل بل في أشخاص جزئية.
وثانيهما: أن اتباع الشهادة من قبيل الضرورات التي لا يمكن الانفكاك عنها في الدين؛ إذ لا سبيل إلى إثبات الحقوق الجزئية المتعلقة بالأشخاص الجزئية إلى طريق قاطع، إذ التنصيص على ذلك من الشارع متعذر حتى يمكن أن يقال أنه كان يجب على الشارع تبليغ تلك النصوص إلى عدد التواتر، وكذا إشهاد الجمع العظيم الذي يحصل التواتر بقولهم؛ لأن ذلك لا يتهيأ في كل وقت وفي كل شخص وفي كل واقعة، ولأن اجتماعهم على تحمل الشهادة وأدائها مما يوهم بالتواطؤ على الكذب فربما لا يحصل العلم بقولهم فيفضي إلى ضياع الحقوق، بخلاف اتباع خبر الواحد فإنه ليس من الضرورات؛ إذ يمكن للشارع أن يبلغه إلى عدد التواتر، وبتقدير أن لا يجب عليه ذلك فلم يبلغه إليهم، أو وإن بلغه لكن ربما لم يبق متواترا فيما بعد كان يوجب علينا العمل بالبراءة الأصلية اليقينية وبالأقيسة اليقينية فلم يلزم من جواز ورود التعبد بالشهادة جواز ورود التعبد بخبر الواحد.
ولا ينقض أيضا بورود التكليف باتباع قول المفتي مع أنه لا يفيد إلا الظن؛ لأن ذلك أيضا من قبيل الضرورات؛ إذ لا يمكن تكليف الخلق كلهم بتحصيل رتبة الاجتهاد لما فيه من اختلال مصالح العالم، ولعدم صلاحية الكل لذلك.