وثالثها: أنكم إما أن تقولوا: إن تصديق الأصل شرط لقبول رواية الفرع، أو لا تقولوا بذلك.
فإن قلتم بذلك وجب أن لا تقبلوا الرواية عن الميت، والذي جن بعد أن روى الحديث؛ ضرورة أنه لم يوجد تصديقهما للفرع، لكنه باطل بالإجماع فالمستلزم له وهو اشتراطه أيضا كذلك، وإن لم تقولوا بذلك وجب أن تقبلوا رواية الفرع حيث يقول الأصل؛ لا أذكره ولا أعرفه؛ لأنه لم يخل ذلك إلا بتصديقه؛ إذ ليس في ذلك تكذيب له بدليل إمكان جمع التصديق والصدق معه، فإنه يصح منه أن يقول: ربما صدقت لكني لا أعرفه، أو لا أذكره، واستحالة اجتماع التصديق والصدق مع التكذيب.
واحتجوا بوجوه:
أحدها: بما روي أن عمار بن ياسر قال لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "أما تذكر يا أمير المؤمنين لما كنا في الإبل فأجنبت فتمعكت في التراب، ثم سألت النبي - صلى الله عيه وسلم - فقال: "إنما يكفيك أن تضرب بيديك" فلم يقبل عمر من عمار ما رواه مع أنه عدل عنده لما لم يتذكر ما ذكر إياه.