فالأخذ بما روينا من قبيل الترجيح بعد التعارض، والقياس الذي ذكره إنما ذكره للترجيح، أو لتقوية اعتقاد النسخ، فإنه يقتضي عدم التكليف به.
وبه خرج الجواب عن حديث ابن عمر - رضي الله عنه - فإنا لا نسلم أن عائشة إنما ردتها لأجل ما ذكروه من القياس، بل لصراحة نص الكتاب بخلافه وهو قوله تعالى:{ولا تزروا وازرة وزر أخرى}، فثبت أنه لم يوجد منهم رد الخبر للقياس فكان الإجماع حاصلا ظاهرا لما سبق.
وثالثها: أن خبر الواحد أكثر إفادة للظن، وأقل احتمالا للخطأ من القياس فكان راجحا عليه.
وإنما قلنا ذلك؛ لأن صحة ما دل عليه خبر الواحد ووجوب العمل به إنما يتوقف على ثلاث مقدمات لا غير:
أحدها: ثبوته عن رسول الله - عليه السلام -.
وثانيها: دلالاته على الحكم.
وثالثها: أنه يجب العمل به.
والمقدمة الأولى ظنية؛ إذ لا نقطع بصحة متنه؛ لأن عدالة الراوي في أصله مظنونة، وبتقدير ثبوتها فصحة هذا الخبر أيضا مظنون؛ إذ العدل قد يكذب لسهو، وغفلة، ونسيان، والمقدمتان الباقيتان يقينيتان؛ إذ الكلام فيما إذا كان خبر الواحد خاصا دالا على شيء واحد لا يمكن تخصيصه بالقياس.
وأما صحة ما دل عليه القياس ووجوب العمل به، فإنه يتوقف على مقدمات كثيرة؛ لأن أصل ذلك القياس إن كان خبر الواحد فيتوقف على هذه