وأما الثالث: فلأن الحكم التعبدي نادر وإلحاق الفرد بالأعم والأغلب أولى، ولأن الحكم الذي عقل معناه أقرب إلى القبول، وأدعى إلي الانقياد، فكان أفضي إلى تحصيل المقصود من شرع الحكم والشارع حكيم، والحكيم إذا كان لحصول مقصوده طريقان سلك ما هو أفضي إلى حصول المقصود فيغلب على الظن شرعيته على هذا الوجه.
لا يقال: عدم وجدان وصف آخر مع البحث الشديد والتفتيش البليغ وإن دل على رجحان تلك المصلحة على ما يعارضها من المفسدة لكن عدم وجدان ما به يترجح على معارضها بعد البحث والتفتيش البليغين يدل على عدم رجحانها فليس اعتبار أحد البحثين أولى من العكس.
قلت: بل اعتبار بحثنا أولى؛ لأن بحثنا إنما هو عن وصف صالح للتعليل وذلك لا يتعدى عن محل الحكم وهو متحد، وبحثكم إنما هو عما به الترجيح وهو غير منحصر في محل الحكم؛ فإن الترجيح قد يكون بأمور تعود إلى ذات العلة، وقد يكون بأمور خارجة عنها، ومعلوم أن الحاصل بعد البحث الشديد [عن الشيء] المنحصر في محل واحد وعدم وجدانه، أما العلم بعدم وجوده أو الظن الغالب القريب من القطع بخلاف الظن الحاصل بعد البحث عن الشيء الغير المنحصر فإنه ليس كذلك فكان اعتبار بحثنا أولى.
فإن قلت: ما به الترجيح يجب أن يكون في محل الحكم وإلا لم يتحقق به الترجيح في محل الحكم وحينئذ لا فرق.
سلمنا تعدد محل بحث الترجيح واتحاد محل بحث الوصف لكن الظن الحاصل بعد البحثين يحتمل أن يكون متساويًا. ويحتمل أن يكون متفاوتًا فعلى التقديرين من هذه الثلاثة يكون انتفاء رجحان ظن عدم وصف آخر حاصلًا وعلى التقدير الواحد يكون رجحان ظن العدم حاصلًا ولا شك أن ما