وهو ضعيف لأنا لا نسلم أنه لو رجح الأمر على المبيح لزم التعطيل، وهذا لأنه يمكن حمل المبيح على جواز التعطيل فقط، وحينئذ لا يكون منافيا للأمر، وحينئذ لا يلزم منه التعطيل بل يلزم منه التأويل فاستويا.
لا يقال: المبيح دل على جواز الفعل وعلى جواز الترك بصراحته نحو قوله: يجوز لك أن تفعل الفعل الفلاني، ويجوز لك أن تتركه وتأويل مثل ذلك لمه بالحمل على الجواز فقط غير جائز، لأنا نقول: ليس من شرط المبيح أن يكون واردأ على تلك الصيغة بل جاز أن يرد بلفظ الإباحة نحو أن يقال: أبحت لك الفعل الفلاني "، وقبوله للتأويل المذكور كقبول الأمر فلا فرق. وثانيها: أنه لا إجمال في الإباحة لكون المعنى متحدًا فيها بخلاف الأمر فإن فيه الإجمال لتعدد معناه فكان الأول أولى.
وثالثها: أن المبيح قد يمكن العمل بمقتضاه على تقديرين على تقدير مساواته للآخر ورجحانه عليه، أما على التقدير الثاني فظاهر، وإما على التقدير الأول فلأنه يتخير بين الأخذ بمقتضى الأمر وبين الأخذ بمقتضى الإباحة وهو تخيير بين الفعل والترك وهو ترجيح الإباحة، وأما الأمر فإنه لا يمكن العمل به إلا عند ترجيحه، وما يمكن العمل به على تقديرين أولى مما لا يمكن العمل به إلا على تقدير واحد.
وهو أيضًا ضعيف، لأن التخيير الحاصل بين الفعل والترك عند التعارض غير التخيير الحاصل بين الفعل والترك عند ترجيح المبيح فإن الأول مشروط بالأخذ بالمبيح دون الأخذ بالأمر فإن عند الأخذ به لا يجوز له الترك فلا يكون ذلك ترجيحا للمبيح بعينه.
ورابعها: أن المبيح أسهل بخلاف الأمر فكان أولى لما سبق.