وخامسها: أن العمل بالمبيح بتقدير أن يكون الفعل مقصودًا للمكلف لا يخل بالمقصود لكونه جائزًا الفعل له، والعمل بالأمر يخل بالمقصود بتقدير أن يكون الترك مقصودًا للمكلف ضرورة أنه غير جائز الترك حينئذ فكان المبيح أولى. واحتج من قال بترجيح الأمر بوجهين.
أحدهما: أن ذلك أحوط فيجب المصير إليه لقوله عليه السلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
وثانيهما: أن العمل بالأمر حمل لكلام الشارع على الحكم التكليفي والشرعي، والعمل بالمبيح حمل لكلامه على ما ليس كذلك لما سبق أن المباح ليس حكما شرعيا، ولا هو من التكليف فكان الأول أولى.
الثالث والعشرون: إذا كان أحد الخبرين أمرأ والأخر خبرًا فالخبر أولى لوجوه:
أحدها: أنه لا إجمال فيه لاتحاد معناه بخلاف الأمر، فإن فيه الإجمال لتعدد المعنى فكان الأول أولى.
وثانيها: أن الخبر أقوى في الدلالة؛ ولهذا امتنع نسخه على بعض الآراء بخلاف الأمر
وهذا ضعيف، لان الخبر الذي لا يجوز نسخه إنما هو الخبر الذى لا يتضمن إثبات الحكم الشرعي، فأما الذى يتضمنه فذلك يجوز نسخه وفاقا كما تقدم ذكره، نعم هو أقوى دلالة من وجه آخر وهو أن دلالة الخبر على الثبوت والتحقق أقوى من دلالة غيره عليه.