فإن قلت: المراد من الخبر الأول: ما اجتمع فيه جهتا الحل والحرمة كالمتولد بين ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل، وكالذي جهلَ حاله أنه مذبوح، أو ميت، فإن كونه مذبوحًا يوجب حقه وكونه ميتًا يوجب حرمته، وكما إذا اشتبه المذبوح بالميتة فإن كونه مذبوحًا يوجب حله، وكونه مشتبهًا بالميتة يوجب حرمته فوجب تركه، فأما ما لا يكون كذلك مثل ما نحن فيه فإنه ليس في الفعل جهتا الحل والحرمة بل ورد فيه خبران أحدهما يوجب حله والآخر حرمته، وليس يجب أن يكون ذلك بناء على جهتين فيه فإنه لو كان بناء على ذلك لقلنا به، وإذا كان كذلك فلا نسلم أن الخبر يقتضي حرمه الفعل الذى نحن فيه.
قلت: لا فرق بين جهتي الحل والحرمة وبن الخبرين، فإن تنيك الجهتين لا توجبان الحل والحرمة لذاتيها لمساعدة الخصم عليه، أو لبطلان قاعدة التحسن والتقبيح إن لم يساعد عليه، واذا كان كذلك فما عرف كونهما جهتي الحل والحرمة إلا بالنص، فإذا كان اجتماعهما موجبًا للحرمة فلان يكون اجتماع الخبرين موجبا لذلك بالطريق الأولى.
فإن قلت: الجهتان حاصلتان على ذلك الشيء حصو، حقيقا وموجبهما للحرمة والحل فيه متحقق معا، بخلاف الخبرين فإنهما غير حاصلين فيه إلا على سبيل البدلية واقتضاؤهما للحل والحرمة غير متحقق معًا بل الذى يتحقق غالبًا أن أحدهما منسوج بالأخر، ولا يلزم من حرمة ما فيه جهتا الحل والحرمة حرمة ما ورد فيه خبر الحل والحرمة.
قلت: هذا لو استقام فإنما يستقيم في المثال الأول دون المثالين الباقيين، فإن الذي شك فيه أنه مذبوح أو ميت لم يتحقق فيه إلا أحد الأمرين، وكذا فيما إذا اشتبه المذبوح بالميتة فإن ما هو ميت فهو ميت لم يتحقق فيه الذبح،