فينبغي أن يكون خائفًا راجيًا مصلحًا حذرًا مترقبًا حتى يأتيه الموت على خير عمل، وإن الناس يموتون على ما عشوا عليه، ويحشرون على ما ماتوا عليه، كما جاء في الحديث: قال -عليه الصلاة والسلام-: «كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تبعثون».
ونعتقد أن أفعال العباد خلق الله -عز وجل- وكسب لهم خيرها وشرها، حسنها وقبيحها ما كان منها طاعة ومعصية، لا على معنى أنه أمر بالمعصية، لكن قضى بها وقدرها، وجعلها على حسب قصده، وأنه قسم الأرزاق وقدرها، فلا يصدها صاد ولا يمنعها مانع، لا زائدها ينقص، ولا ناقصها يزيد، ولا ناعمها يخشن، ولا خشنها ينعم، ورزق غد لا يؤكل اليوم، وقسم زيد لا ينقل إلى عمرو.
وإنه تعالى يرزق الحرام كما يرزق الحلال، على معنى أنه يجعله غذاء للأبدان وقامًا للأجسام لا على معنى إباحة الحرام.
وكذلك القاتل لم يقطع أجل المقتول المقدر له، بل يموت بأجله، وكذلك الغريق، ومن هدم عليه الحائط وألقى من شاهق، ومن أكله السبع، وكذلك هداية المسلمين والمؤمنين وضلالة الكافرين إليه -عز وجل- جميع ذلك فعل له صنعة، لا شريك له في ملكه.
وإنما أثبتنا كسبًا لموضع توجه الأمر والنهي والخطاب إليهم، ثم استحقاق الثواب والعقاب لديه كما وعده وضمن -جل وعز-، قال الله تعالى:{جزاء بما كانوا يعملون}[السجدة: ١٧، الأحقاف: ١٤، الواقعة: ٢٤].
وقال -عز وجل-: {بما صبرتم}[الرعد: ٢٤]، وقال -جل وعلا-: {ما سلككم في سقر * قالوا لم نك من المصلين * ولم نك نطعم المسكين}[المدثر: ٤٢ - ٤٤].
وقال -تبارك وتعالى-: {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}[الطور: ١٤]، وقال تعالى:{ذلك بما قدمت يداك}[الحج: ١٠] وغير ذلك من الآيات.
فعلق سبحانه الجزاء على أفعالهم، فأثبت لهم كسبًا خلاف ما قالت الجهمية من أنه لا كسب للعباد، وأنه كالباب يرد ويفتح، والشجرة تحرك وتهز. وهم الجاحدون للحق، الرادون للكتاب والسنة.
والدليل على أن ذلك خلق الله -عز وجل- وكسب للعباد خلافًا للقدرية في قولهم: إن جميع ذلك خلق للعبادة دون الله -عز وجل-.