فيقال لهم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر عذاب القبر والمسألة على ما هو معهود وعادة في الخلق أنهم يدفنون في القبور، وإن وجد ميت على هذه الصفة البعيدة النادرة لا يمتنع أن يقال: إن الله يصير روحه إلى الأرض، ثم تضغط وتسئل وتعذب وتنعم، كما أن أرواح الكفار تعذب كل يوم مرتين، غدوة وعشية، حتى تقوم الساعة، ثم تدخل النار مع الأجساد حينئذ، كما قال تعالى:{النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}[غافر: ٤٦].
وإن أرواح الشهداء والمؤمنين في حواصل طيور خضر، تسرح في الجنة، وتأوى إلى قناديل من نور تحت العرش ثم تأتي إلى الأجساد عند النفخة الثانية إلى الأرض للعرض والحساب يوم القيامة.
كما روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل أثمارها، وتأوى إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أننا أحياء في الجنة نرزق، فلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله -عز وجل- وهو أصدق القائلين: أنا أبلغهم فأنزل -عز وجل-: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله}[آل عمران: ١٦٩ - ١٧٠]».
فيجوز أن تقع المسألة والعذاب والنعيم ببعض جسد الكافر والمؤمن دون بقية أجزائه ويكون ما فعل بالبعض فعلًا بالكل، وقد قيل: إن الله يجمع تلك الأجزاء المتفرقة للضغط والمسألة كما يفعل ذلك في الحشر والمحاسبة.
ثم إن الإيمان بالبعث من القبور والنشر عنها واجب، كما قال -عز وجل-: {وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور}[الحج: ٧]. وكما قال الله -عز وجل-: {كما بدأكم تعودون}[الأعراف: ٢٩]، وقال -جل وعلا-: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى}[طه: ٥٥].
سيحشرهم ويجمعهم جميعًا -جل وعلا-: {لتجزى كل نفس بما تسعى}[طه: ١٥]، {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}[النجم: ٣١]، وقال