فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا: إن عثمان قد قتل ولابد للناس من خليفة، ولا نعلم أحدًا أحق بها منك.
فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزير خير من أمير، قالوا: والله لا نعلم أحدًا أحق بها منك، قال -رضي الله عنه-: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرًا، ولكن أخرج إلى المسجد، فمن شاء أن يبايعني بايعني.
قال: فخرج -رضي الله عنه- إلى المسجد فبايعه الناس، فكان إمامًا حقًا إلى أن قتل -رضي الله عنه-، خلاف ما قالت الخوارج إنه لم يكن إمامًا قط. تبًا لهم إلى آخر الدهر.
وأما قتاله -رضي الله عنه- لطلحة والزبير وعائشة ومعاوية -رضي الله عنهم- فقد نص الإمام أحمد -رحمه الله- على الإمساك عن ذلك، وجميع ما شجر بينهم من منازعة ومنافرة وخصومة.
لأن الله تعالى يزيل ذلك من بينهم يوم القيامة، كما قال -عز وجل-: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين}[الحجر: ٤٧].
ولأن عليًا -رضي الله عنه- كان على الحق في قتالهم.
لأنه كان يعتقد صحة إمامته على ما بينا من اتفاق أهل الحل والعقد من الصحابة على إمامته وخلافته، فمن خرج عن ذلك بعد وناصبه حربًا كان باغيًا خارجًا على الإمام فجاز قتاله، ومن قاتله من معاوية وطلحة والزبير طلبوا ثأر عثمان بن عفان خليفة الحق المقتول ظلمًا، والذين قتلوه كانوا في عسكر علي -رضي الله عنه-، فكل ذهب إلى تأويل صحيح، فأحسن أحوالنا الإمساك في ذلك، وردهم إلى الله -عز وجل- وهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين، والاشتغال بعيوب أنفسنا وتطهير قلوبنا من أمهات الذنوب وظواهرنا من موبقات الأمور.
وأما خلافة معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- فثابتة صحيحة بعد موت علي -رضي الله عنه- وبعد خلع الحسن بن علي -رضي الله عنهما- نفسه من الخلافة وتسليمها إلى معاوية لرأي رآه الحسن ومصلحة عامة تحققت له، وهي حقن دماء المسلمين وتحقيق قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحسن -رضي الله عنه-: «إن ابني هذا سيد يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين».