ومعنى الندم: توجع القلب عند علمه بفوات محبوبه، فتطول حراته وأحزانه وبكاؤه ونحيبه وانسكاب عبراته، فيعزم على ألا يعود إلى مثل ذلك لما تحقق عنده من العلم بشؤم ذلك، وأنه أضر من السم القاتل والسبع الضاري والنار المحرقة والسيف القاطع "وإن المؤمن لا يلسع من جحر مرتين" فيهرب ضرورة من المعاصي كما يهرب من هذه المضار والمهالك، ففي المعاصي هلاك كلي، وفي الطاعات بقاء كلي، والسلامة الأبدية سعادة دنيوية وأخروية.
فيا ليت المعاصي لم تخلق ولم تكن، قرب شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلًا وأعقبت داء دويًا وأهدمت عمرًا طويلًا وأوقعت في النار جبلًا كبيرًا.
وأما المقصد الثاني الذي ينبعث منه، وهو إرادة التدارك، فله تعلق بالحال، وهو موجب ترك كل محظور وهو ملابس له ومداوم عليه، وأداء كل فرض هو متوجه عليه في الحال، وله تعلق بالماضي وهو تدارك ما فرط بالمستقبل، وهو المداومة على الطاعة وترك المعصية إلى الموت.
فأما شرط صحته فيما يتعلق بالماضي وهو أن يرد فكره إلى أول يوم بلغ فيه السن والاحتلام، فيفتش عما مضى من عمره سنة سنة وشهرًا شهرًا ويومًا يومًا وساعة ساعة ونفسًا نفسًا، فينظر إلى الطاعات ما الذي قصر فيها، وإلى المعاصي ما الذي قارف منها.
أما الطاعات فإن كان ترك صلاة فلم يصلها البتة أو صلاها بغير شرائطها وغير أركانها، مثل أن صلاها من غير وضوء، أو من غير وضوء مختل من شرط كالنية، أو بعض واجباته كالمضمضة والاستنشاق وغسل الوجه وغير ذلك من الأعضاء، أو صلى في ثوب نجس أو حرير أو غصب أو على أرض مغصوبة فإنه يقضيها جميعًا من حين بلوغه إلى حين توبته، فيشتغل بقضاء الفرائض أولًا، ولا يزال يصليها إلى أن يضيق وقت صلاة الحاضرة ثم يصلي الحاضرة أداء، ثم يشتغل بقضاء الفوائت هكذا إلى أن يأتي على آخرها.
فإذا حضرت الجماعة صلاها مع الجماعة، وينويها قضاء، ثم يصلى على عادته حتى إذا تضايق وقت التي صلاها مع الإمام صلاها وحده أداء، كل ذلك إنما يفعله احتياطًا