وقيل: إن بشرًا الحافي رحمه الله كان إذا قدم بين يديه طعام فيه شبهة لا تمتد إليه يده.
وقيل: إن أم أبي يزيد البسطامي رحمهما الله كانت إذا مدت يدها إلى طعام فيه شبهة تباعد حال كونها حبلي بأبي يزيد فلم تمد يدها إليه.
وكان بعضهم إذا قدم إليه طعام فيه شبهة فاحت منه رائحة منكرة، فعلم من ذلك فامتنع من أكله.
وقيل عن بعضهم: أنه كان إذا وضع في لقمة من طعام فيه شبهة لم يمتضغ فتصير كالرمل في فمه.
وإنما فعل الله تعالى لهم ذلك تخفيفًا ورحمه وشفقة وحمية لهم، لما صفوا اللقم واجتهدوا في طلب الحلال وترك الحرام والشبهة، حماهم الله تعالى عما يكرهونه من المطاعم، فذب عنهم في معرفة ذلك، وكفاهم مؤنه التفتيش والتنقير عن بائع الطعام وكسبه ومعيشته، وعن الثمن الذي اشترى به وأصله وتحصيله من وجه الحلال.
فجعل ذلك علامة عندهم في أي وقت رأوها كفوا أيديهم عن تناول الطعام، وإذا لم يروها تناولوه، هذا في حق هؤلاء السادة الكرام الذين سبقت لهم العناية وعمتهم الرعاية.
وأما الحلال في حق العوام من المؤمنين، فكل ما لا يكون للخلق فيه تبعة ولا للشرع عليه مطالبة، كما قال سهل بن عبد الله التستري رحمه الله حين سئل عن الحلال قال: الحلال هو الذي لا يعصى الله فيه، وقال مرة أخرى: الحلال الصافي الذي لا ينسى فيه.
فالحلال حلال حكم لا حلال عين، إذ لو كان حلال عين لم يحل لأحد أكل الميتة، ولا إذا اشترى الشرطي بماله الحرام طعامًا حلالًا، ثم رجع فاستقال البيع فرجع الطعام إلى يد مالكه الأول ألا يجوز أكله للمتورع المؤمن، لأنه قد تخلل بينهما حالة يحرم أكله فيها، وهو حصوله في يد الشرطي.
فلما اتفق المسلمون على جواز أكل هذا الطعام الذي حصل في ملك الشرطي المشتري بماله الحرام الذي يحرم أكله عند جميع المسلمين علم أن الحلال والحرام ما كان