الشرع حكم به لا نفس العين لأن ذلك طعام الأنبياء كما جاء في الحديث "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع رجلًا يقول: اللهم ارزقني الحلال المطلق، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ذلك رزق الأنبياء، سل الله رزقًا لا يعذبك عليه".
وكذلك في الشرع من اتجر من أهل الذمة واليهود والنصارى والمجوس في المحرمات من الخمر والخنزير وليناهم بيعها وأخذنا منهم العشر من أثمانها، وروى ذلك عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ولوهم بيعها، وخذوا العشر من أثمانها.
فإذا أخذ العشر منهم فما يصنع به، أليس ينتفع به المسلمون؟ فلو كان الحلال حلال العين لما جاز أخذ ذلك، لأن الخمر والخنزير وثمنهما حرام، فأحل ذلك لدخول اليد والعقد، كما قيل بين الحلال والحرام يد،
فمن أخذ الشرع في يده مصباحًا فأخذ به وأعطى به ولم يتأول فيه ولم يخرج عنه، فأخذ ما أذن له الشرع وأعطى ما أذن له الشرع فيه، وصار جميع تصرفاته بالشرع أكل الحلال بالشرع، وليس عليه طلب الحلال المطلق والعين، إذ ذاك لا يكاد يدرك إلا أن يشاء الله أن يكرم به بعض أوليائه وأصفيائه {وما ذلك على الله بعزيز}[إبراهيم: ٢٠، وفاطر: ١٧].
فالناس في الطعام على ثلاثة أضرب، متق، وولي، ويدل عارف، فحلال المتقي ما ليس للخلق عليه تبعة، ولا للشرع عليه مطالبة.
وطعام الولي المحق الذي هو الزاهد الزائل الهوى ما ليس فيه الهوى، بل هو مجرد بأمره.
وطعام البدل الذي هو المعارف المفعول فيه زائل الإرادة كرة القدر، وهو ما لم تكن فيه همسة ولا إرادة بل فضل كله من الله عز وجل، يرزقه ويدلله ويربيه بقدرته الشاملة ومنته العامة ومشيئته النافذة، كالطفل الرضيع في حجر أنه الشفيقة.
فما لم يتحقق له المقام الأول لا يصل إلى المقام الثاني، وما لم يتحقق له المقام الثاني لا يصل إلى المقام الثالث.
فطعام التقي شبهة في حق زائل الهوى، وطعام زائل الهوى شبهة في حق زائل الإرادة والهمة، كما قيل: سيئات المقربين حسنات الأبرار.
فطعام الشيخ مباح للمريد، وطعام المريد حرام في حق الشيخ لصفاء حالته ونزاهة