ومن دقائق الورع ما نقل عن كهمس رحمه الله أنه قال: أذنبت ذنبًا وأنا أبكي عليه منذ أربعين سنة، وذلك أنه زارتي أخ لي فاشتريت بدانق سمكة مشوية، فلما فرغ أكلها أخذت قطعة من طين من جدار جار لي حتى غسل يده ولم استحله.
وقيل: إن رجلًا كان في بيت بكراء، فكتب رقعة وأراد أن يتربها من جدار البيت، فخطر بباله أن البيت بالكراء، ثم إنه خطر بباله ألا خطر لهذا، فترب الكتاب فسمع هاتفًا يقول: سيعلم المستخف بالتراب ما يلقي غدًا من طول الحساب.
ورؤى عتبة الغلام يتصب عرفًا في الشتاء فقيل له في ذلك؟ فقال: إنه مكان عصيت فيه ربي
، فسئل عنه فقال: كشطت من هذا الجدار قطعة طين غسل ضيف لي يده بها ولم استحل صاحبه.
وقيل: إن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله رهن سطلًا له عند بقال بمكة، فلما أراد فكاكه أخرج البقال إليه سطلين وقال: خذ أيهما لك، فقال الإمام أحمد؛ أشكل على سطلي فهو لك والدراهم لك، فقال البقال: سطلك هذا وإنما أردت أن أجريك، فقال: لا أخذه ومضى وترك السطل عنده.
وقيل: إن رابعة العدوية رحمها الله خاطت شفًا في قميصها في ضوء مشعلة سلطانية، ففقدت قلبها زمانًا حتى تذكرت ذلك فشقت قميصها فوجدت قلبها.
ورؤى سفيان الثوري رحمه الله في المنام وله جناحان يطير بهما في الجنة من شجرة إلى شجرة، فقيل له: بم نلت هذا؟ قال: بالورع.
وكان حسان بن أبي سنان رحمه الله لا ينام مضطجعًا ولا يأكل سمينًا ولا يثرب باردًا ستين سنة، فرؤى في المنام بعد ما مات فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيرًا، إلا أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها.
وكان لعبد الواحد بن زيد غلام خدمة سنين وتعبد أربعين سنة، وكان في ابتداء أمره كيالًا، فلما مات رؤى في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: خيرًا غير أني محبوس عن الجنة، وقد أخرج على من غبار القفيز أربعين قفيزًا.
ومر عيسى ابن مريم عليه السلام بمقبرة، فنادى رجلًا منهم فأحياء الله تعالى فقال: من أنت؟ كنت حمالًا أنقل للناس، فنقلت يومًا لإنسان حطبًا فكسرت منه خلالًا