فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- رجب بصفتين وقيده بنعتين:
أحدهما قوله: "رجب مضر" لأن مضر كانت تبالغ في تعظيمه وتكبيره وتحريمه.
الثاني: أنه قيده بقوله بين جمادى وشعبان خوفًا من التقديم والتأخير كما جرى في تحريم المحرم إلى صفر، فخص الشهر وقيده، وأيد تحريمه وأكده.
وقيل: إنما سمى رجب مضر، لأن بعض الكفار دعا على قبيلة من القبائل فيه فأهلكهم الله عز وجل.
وقيل: إن الدعاء فيه مستجاب على الظلمة، وكل جائر، ولهذا كانت الجاهلية يؤخرون دعواتهم على من ظلمهم، فيدعون عليه في رجب فلا يرد خائبًا.
وأما منصل الأسنة، فلأنهم كانوا ينزعون الأسنة فيه عن الرماح، ويغمدون سيوفهم وسهامهم تهيئًا له وتعظيمًا، فسمي بذلك منصل الأسنة، ويقال نصلت السهم: إذا جعلت له نصلًا، وأنصلته: إذا نزعت عنه نصله.
وأما شهر الله الأصم، فلما روي عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه لما استهل رجب رقي المنبر يوم الجمعة وخطب ثم قال: ألا إن هذا شهر الله الأصم، وهو شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، ثم ليزك ما بقي.
قال ابن الأنباري: أما قوله الأصم، فإنما سمي بذلك لأن العرب كانت تظل تحارب بعضها بعضًا، فإذا أهل رجب وضعوا السلاح ونزعوا الأسنة، فلا تسمع فيه قعقعة السلاح، ولا صلصلة الرماح، وكان الرجل إذا ركب في طلب قاتل أبيه فإذا رآه في رجب لم يتعرض له، كأنه لم يره ولم يسمع له خبرًا، فسمي أصم لذلك.
وقيل: سمي أصم لأنه لم يسمع فيه غضب الله تعالى على قوم قط، لأن الله تعالى عذب الأمم الماضية في سائر الشهور، ولم يعذب أمة من الأمم في هذا الشهر.
وفي هذا الشهر حمل الله نوحًا في السفينة، فجرت به ومن معه في السفينة ستة أشهر.
قال إبراهيم النخعي: إن رجب شهر الله تعالى، فيه حمل الله نوحًا في السفينة، فصامه نوح عليه السلام وأمر بصيامه من كان معه، فأمنه الله تعالى، ومن كان معه من الطوفان، وطهر الأرض من الشرك والعدوان.
ورفع ذلك غيره إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ما أخبرنا به هبة الله بإسناده عن أبي حازم، عن