ولا يتكلم في فتنة ولا يسعى فيها ولا يقويها، بل يعين أهل الحق على أهل الباطن بيده ولسانه وقلبه، يقول الحق وإن كان مراً، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يحب مدح الناس له، ولا يكره ذمهم، ولا يخص نفسه بشيء من الدعاء، بل يعمم الدعاء له ولهم وقت ما يدعو عقيب الصلاة بهم، فإن أفرد نفسه بذلك كان خيانة منه لهم، ولا يؤثر بعضهم على بعض إلا أولى العلم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليليني أولو الأحلام والنهي".
وكذلك الذين يلونهم وراء ظهره، ولا يقرب الغنى ويزري بالفقير، ولا ينبغي له أن يتقدم بقوم وفيهم من يكره إمامته، فإن كان فيهم من يكره ومن لا يكره نظر، فإن كان الأكثر يكرهونه اعتزل المحراب ولا يقربه، هذا إذا كانت كراهتهم له بعلم وحق، وإن كانت بجهل وباطل ورعونة نفس وعصبية لمذهب أو هوى لم يلتفت إلى كراهتهم، ولا يترك الصلاة بهم إلا أن يخاف الفتنة في القوم لأجله، فيتنحى ويعتزل المحراب لذلك حتى يصطلحوا أو يرضوا، ولا ينبغي له أن يكون ممارياً ولا حلافاً ولا لعاناً، ولا يدخل مداخل السوء والتهم، ولا يأنف ولا يخالط من الناس إلا الصالحين، ولا ينبغي له أن يكون إماماً وهو يحب الفتنة وأهلها، والعصبية وأهلها، والرياسة وأهلها، وينبغي أن يكون صبوراً على أذية الناس متودداً إليهم، طالباً لمنفعتهم، مجتهداً في نصيحتهم، لا يماري على الإمامة ولا يقاتل عليها من كفاه عظيم مؤنتها.
ولقد نقل عن الأكابر ممن تقدم من السلف الصالحين أنهم كرهوا الإمامة وقدموا من ليس هو مثلهم في الشرف والديانة ابتغاء حمل المؤنة عنهم وتخفيفاً، وخيفة من تقصير يقع لهم.
وينبغي للإمام إذا حضر عنده ذو سلطان ألا يتقدم عليه في الصلاة إلا بإذنه، وكذلك لا جلس إلا بإذنه، وإذا نزل بقرية أو محلة أو قبيلة أو حي من أحياء العرب لا يؤمهم إلا بإذنهم، وكذلك إذا اتفق مع قوم في قافلة وسفر ومجمع لا يؤمهم إلا بإذنهم.
وينبغي للإمام ألا يطيل الصلاة بل يخففها مع التمام لما روي عن أبي هريرة رضي