الواقعين، السلام عليك يا روضة العابدين، فيا شهرنا غير مودع ودعناك، وغير مقلي فأرقناك، كان نهارك صدقة وصيامًا، وليلك قراءة وقيامًا، فعليك منا تحية وسلامًا.
أنراك تعود بعدها علينا أو تدركنا المنون فلا تؤول إلينا، مصابيحنا فيك مشهورة، ومساجدنا فيك معمورة، فالآن تنطفئ المصابيح، وتنقطع التراويح، ونرجع إلى العادة، ونفارق شهر العبادة.
فيا ليت شعرى من المقبول منا فنهنيه بحسن عمله، أم ليت شعرى، من المطرود منا فنعزيه بسوء عمله، فيا أيها المقبول هنيئًا لك بثواب الله عز وجل ورضوانه ورحمته وغفرانه وقبوله وإحسانه وعفوه وامتنانه وخلوده في دار أمانه، ويا أيها المطرود بإصراره وطغيانه وظلمه وعدوانه وخسرانه وتماديه وعصيانه، لقد عظمت مصيبتك بغضب الله وهوانه، فأين مقلتك الباكية، وأين دمعتك الجارية، وأين زفرتك الرائحة الغادية، لأي يوم أخرت توبتك، ولأي عام ادخرت عدتك، إلى عام قابل وحول حائل، كلا فما إليك مدة الأعمار، ولا معرفة المقدار، فكم من مؤمل أمل بلوغه فلم يبلغه، وكم من مدرك له ولم يختمه، وكم من أعد طيبًا لعيده جعل في تلحيده، وثيابًا لتزيينه صارت لتكفينه، ومتأهبًا لفطره صار مرتهنًا في قبره، وكم من لا يصور بعده ساء وهو يطمع في غيره أن يراه، فاحمدوا الله عباد الله على بلوغ اختتامه، وسلوه قبول صيامه وقيامه، وراقبوه بأداء حقوقه، واعتصموا بحبل الله وتوفيقه، واعلموا رحمكم الله أنكم فارقتم شهرًا عظيمًا مفضلاً كريمًا، أين الصوام القوام الموافقون لكم في سالف الأعوام، وأين من كان معكم ليالي شهر رمضان شاهدين، وفي كل حق الله معاملين من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات والجيرة والقرابات، أتاهم والله هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرق الجماعات، فأخلى منهم المشاهد، وعطل منهم المساجد، تراهم في بطون الألحاد صرعى، لا يجدون لما هم فيه دفعًا، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ينتظرون يومًا الأمم فيه إلى ربها تدعى، والخلائق تحشر إلى الموقف وتسعى، والفرائض ترعد من هول ذلك اليوم جمعًا، والقلوب تتصدع من الحساب صدعًا {ونفخ في الصور فجمعناهم جمعًا}[الكهف: ٩٩].
عباد الله من كان منع نفسه من الحرام في شهر رمضان فليمنعها فيما بعده من الشهور والأعوام، فإن إله لشهرين واحد، وهو على الزمانين مطلع شاهد، جزانا الله وإياكم