وأما معرفة عدو الله إبليس، فقد أمر الله تعالى بمحاربته ومجاهدته في السر والعلانية، في الطاعة والمعصية، وأعلم العباد بأنه قد عادى الله عز وجل وعبده ونبيه وصفيه وخليفته في الأرض آدم عليه السلام، وضاره في ذريته، وأنه لا ينام إذا نام الآدمي، ولا يغفل إذا غفل الآدمي، ولا يسهو إذا سها الآدمي دائبًا مجتهدًا في عطب الآدمي وهلكته في نومه ويقظته وفي سره وعلانيته في الطاعة ليبطلها وفي المعصية ليوقعه فيها، لا يألو به خديعة وحيلة ومكرًا، مصائده الشهية اللذيذة في طاعته ومعصيته، ما يجهله كثير من خلق الله تعالى من العابدين المغرورين المخدوعين، وكثير من الغافلين، ليست راحته أن يوقع ابن آدم في معصية ولا رياء ولا إعجاب، إنما بغيته أن يرده معه حيث يرد جهنم، حيث قال جل وعلا:{إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}[فاطر:٦٠].
فإذا عرفه العبد بهذه الصفة فينبغي له أن يلزم قلبه معرفته في الحق والباطن، بلا غفله ولا سهو منه، فيحاربه بأشد المحاربة، ويجاهده بأشد المجاهدة، سرًا وعلانية، ظاهرًا وباطنًا لا يقتصر في ذلك حتى يبذل مجهوده في محاربته، ومجاهدته في كل ما يدعو إليه من الخير والشر ولا يدع التضرع واللجأ إلى الله عز وجل والاستعانة به في حركاته كلها ليعينه عليه، ويرى الله عز وجل من نفسه الفقر والفاقة إليه، فإنه لا حيلة ولا قوة إلا به، ويستغيث بالله عز وجل بالبكاء والتضرع، ويسأله النصر عليه جاهدًا متذللاً، ليلاً ونهارًا، سرًا وعلانية، في الخلأ والملأ، حتى تصغر في عينه مجاهدته لمعرفته، بتوفيق الله تعالى إياه، فإنه عدو مولاه، وهو أول من عصى الله من خلقه، وأول من مات من خلقه، يعني من عصاه، وكل عاص لله عز وجل ميت، كما جاء في الحديث، قال الله عز وجل:"إن أول من مات من خلقي إبليس" وهو الذي عادى أولياء الله من الأنبياء والصديقين وأصفياءه من خلقه أجمعين.
وينبغي للعبد أن يعلم أنه في جهاد عظيم، وفي قرب من الرب جل ثناؤه، ولا يوصف شرف مقامه، فليثبت ولا يعجز فإنه إن عجز أو مل فقد عصى ربه عز وجل ووقع في جهنم، وغضب الله عليه، ويكون قد أعطى عدو الله أمنيته منه، وقوى عليه لعنة الله، ولي لإرادته في العبد غاية وانتهاء إلا بالكفر بالله، فإنه إنما ينقله من حال إلى حال حتى يغضب الله عليه، فيكله إلى نفسه فيعطب ويقع في النار مع الشيطان، فلا خلق أشد على العبد منه، فالحذر الحذر، فإنه هو الورود على العطب، أو النجاة