للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بفضل الله ورحمته، أعاذنا الله وجميع المسلمين من شر إبليس وجنوده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما معرفة النفس الأمارة بالسوء، فيضعها حيث وضعها الله عز وجل، ويصفها بما وصفها الله تعالى، ويقوم عليها بما أمره الله عز وجل فإنها أعدى له من إبليس، وإنما يقوى عليه إبليس بها وبقبولها منه، فيعرف أي شيء طباعها، وما إرادتها، وإلام تدعو، وبم تأمر، وكيف خلقها خلقة ضعيفة قوي طمعها شرهة مدعية خارجة عن طاعة الله سبحانه، متملكة متمنية، خوفها أمن، ورجاؤها أماني، وصدقها كذب، ودعواها باطلة، وكل شيء منها غرور، وليس لها فعل محمود، ولا دعوى حق فلا تغرنه بما يظهر له منها، ولا يرجو بما تأمل، إن حل عنها قيودها شردت، وإن أطلق وثاقها جمحت، وإن أعطاها سؤلها هلكت، وإن غفل عن محاسبتها أدبرت، وإن عجز عن مخالفتها غرقت، وإن اتبع هواها تولت إلى النار وفيها هوت، ليس له حقيقة ولا رجوع إلى خير، وهي رأس البلاء ومعدن الفضيحة، وخزانة إبليس ومأوى كل سوء، ولا يعرفها أحد غير خالقها عز وجل، فهي في الصفة التي وصفها الله عز وجل، كلما أظهرت خوفًا فهو أمن، وكلما ادعت صدقًا فهو كذب، وكلما ذكرت إخلاصها فهو رياء وإعطاء عند الحقائق، يبين صدقها ويعرف كذبها، وعند الامتحان يرجع إلى دعواها، فليس بلاء عظيم إلا وقد حل بها، فعلى العبد محاسبتها ومعرفتها ومراقبتها ومخالفتها ومجاهدتها في جميع ما تدعو إليه وتدخل فيه، فليس لها دعوى حق، وإنما تسعى في هلاكها ودمارها، ولا توصف بشيء إلا وهي أكثر مما توصف، فهي كنز إبليس ومستراحه ومسامرته ومحدثته وصديقته.

فإذا عرف العبد صفتها فقد عرفها وهانت عليه، وذلت وقوي عليها بالله عز وجل، فإذا اجتمعت في العبد هذه الخصال الثلاث، فليستعن بالله عز وجل عليهن، ولا يغفل لأنه إذا قوي على أدب نفسه ومخالفتها عما تهوى قوي على الخصال كلها إن شاء الله تعالى، فعليه ببذل التقدم بالعزم بالله عز وجل وحده لا شريك له، ولا يميلن في هذا كله إلى أحد غير الله عز وجل، فإن لم يفعل ذلك فلا يوفق لخير ويكله الله عز وجل إلى نفسه.

فينبغي له أن يستعين بالله تعالى في هذا كله ويتبع مرضاته في جميع ما أمره الله به

<<  <  ج: ص:  >  >>