للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونهاه، لا يريد بذلك أحدًا غير الله عز وجل، فإن فعل ذلك أرشده الله ووفقه وأحبه وجنبه مكارهه وستره بستر الأصفياء العلماء بالله، الذين بذلك نالوا العلم بالله عز وجل.

وأما معرفة العمل لله عز وجل، فإن يعلم العبد أن الله عز رجل أمره بأمور ونهاه عن أمور، فالذي أمره به هو الطاعة، والذي نهاه عنه هو المعصية له عز وجل وأمره بالإخلاص فيهما والقصد إلى سبيل الهدى على نهج الكتاب والسنة، ولا يكون في ضميره في فعله كل شيء غير الله عز وجل، ولا يكن ممن ترك المعاصر الظاهرة، وأعرض عن ترك المعاصي الباطنة التي هي أمهات الذنوب وأصولها، لأن الله تعالى ليس على هذا وعد بالمغفرة، ولا على هذا ضمن الثواب في دار الجزاء، فلا يجهدن العبد في العبادة بالظاهر بفساد النية وسقم الإرادة، فتعود إذ ذاك طاعاته معاصي كلها، فتخل به عقوبات الدنيا والآخرة مع تعب البدن وقلة المراد به وترك الشهوة واللذة، فيسخر الدنيا والآخرة، ولكن يزين طاعته بالإخلاص والتقوى والورع، ونيته بالصدق، ويحفظ إرادته بالمحاسبة، وليكن همه طلب النية الصادقة، وعزمه طلب الإخلاص والتوحيد في أقواله وأفعاله وأحواله أجمع عند أخذه في الطاعة، وإعراضه عن المعصية، حتى يثبت معرفة النية، كما يثبت معرفة العمل.

وينبغي له أن يتحرز من أن يخدعه إبليس اللعين بغوائله، ويصرعه بمصائده، ويوقعه في فخوخه، ويذهب به بكره وخدعة، فإن له مصائد مسجلات في القلوب، وغوائل شهية وظرائف لذيذة، يحسبه الجاهل نورًا ويقينًا، وهو شك وظلمة، يفتح له مائة باب من الطاعة، يريد بذلك أن يدخله في أدنى منزلة يستغرق عمله بها، فإياه ثم إياه الحذر الحذر، فإن قدر أن يتعلم خدعه كما يتعلم القرآن فليفعل، فبهذا أمره الله جل ثناؤه، فليحذره العبد في طاعته، كما يحذره في معاصيه، فإن خطر بباله أمر أو دعته نفسه إلى شيء أو تحرك بحركة فلا يعجلن دون المعرفة والعلم، وليرفق بنفسه ويترسل بترسل العلماء، ويجالس الفقهاء العالمين بالله وبأمره ونهيه، حتى يدلوه على طريق الله عز وجل، ويعرفوه ذلك ويدلوه على دوائه ودائه على ما قدمناه في مجلس التوبة.

ولا ينبغي له أن يفتر بطول القيام وكثرة الصيام والنوافل الظاهرة بلا معرفة منه بعمله، فإن كان كذلك ورأى فعله مع معرفته بنفسه وبربه وبعدوه صح فعله، فعندما

<<  <  ج: ص:  >  >>