وأقل ما في الرضا بالقضاء أن ينقطع طمعه عما سوى الله عز وجل، وقد ذم الله عز وجل الطمع في غيره عز وجل، فروى عن يحيى بن كثير أنه قال: قرآن التوراة فرأيت فيها أن الله سبحانه وتعالى يقول: ملعون من كان ثقته بمخلوق مثله.
وروي في بعض الأخبار أن الله سبحانه يقول: وعزتي وجلالي وجودي ومجدي لأقطعن أمل كل مؤمل آمل غير باليأس، ولألبسنه ثوب المذلة بين الناس، ولأبعدنه من قربي، ولأقطعنه من وصلي، أيؤمل غير في الشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي، ويرجى غيري ويطرق بالفكر أبواب غيري وهي مغلقة ومفاتيحها بيدي.
وروي في خبر آخر أن الله عز وجل يقول: ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعلم ذلك من قلبه ونيته، فتكيده السموات والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له من ذلك مخرجًا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، إلا قطعت أسباب السماء من فوقه، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم أهلكه في الدنيا وأتعبته فيها.
وروي عن بعض الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"من تعزز بالناس ذل".
وقيل: من اتكل على مخلوق مثله ذل، فكفاه الطمع بما يناله من اطلاع قلبه، وتشتت همه وذله ومسكنته، فقد اجتمع عليه أمران: ذل في الدنيا، وبعد من الله عز وجل بلا ازدياد في رزقه ذرة واحدة.
وقال بعضهم: لا أعرف شيئًا أضر على المريدين والطالبين من الطمع، ولا أخرب لقلوبهم ولا أذل لهم ولا أظلم لقلوبهم ولا أبعد لهم ولا أشد تشتيتًا لهمهم من الطمع، إنما كان ذلك كذلك لأنه أشرك بالله عز وجل حيث طمع في م خلوف مثله لا يملك ضرًا ولا نفعًا ولا عطاء ولا منعًا، فجعل ملك الملك المملوكة، فأنى يكون له ورع، فلا يتحقق ورعه حتى ينسب الأشياء إلى مالكها عز وجل، فيطلبها منه ولا يطلبها من غيره.
وقيل: الطمع له أصل وفروع، فأصله الغفلة وفرعه الرياء والسمعة والتزين والتصنع وحب إقامة الجاه عند الناس.
وقال عيسى عليه السلام للحواريين: الطمع القتول الموجى.