للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها -؛ إِذ جاءَ أَعرابيّ، فأَخذَ السيفَ من الشجرة، ثمَّ دنا من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فأَيقظه، فقال:

يا محمد! من يمنعك منّي الليلة؟ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -:

"الله"، فأَنزلَ الله {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...} الآية. (١)

فيتضح من سبب نزول الأية أنها تبين حفظ الله -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - من الافتلات، وعصمة النفس من القتل، دون العوارض التى تعرض للبدن مع سلامة النفس. (٢)

وكذلك فقد شُج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رَباعيته يوم أحد، وأصابه السُّم عند اليهودية.

٢ - الوجه الثاني:

أن ذلك السحر لم يضره؛ لأنه لم يفقده شيئًا من الوحي، ولا دخلت عليه داخلة في الشريعة، وإنما اعتراه شيء من التخيُّل والتوَّهم، ثم لم يتركه الله -تعالى- على ذلك، بل تداركه وعصمه، وأعلمه بموضع السحر وأمره باستخراجه وحل عنه، فعصمه الله -تعالى- من الناس ومن شرهم، كما وعده، وكما دفع عنه أيضًا ضر السم بعد أن أطلعه على المكيدة فيه بآية أظهرها إليه، معجزة من كلام الذراع. (٣)

فإن الدليل قد قام على صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهدات بتصديقه فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.

وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها ولا كانت الرسالة من أجلها فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر، كالأمراض فغير بعيد أن يخيَّل إليه في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.


(١) أخرجه ابن حبان في صحيحه (١٧٣٩)، وقد حسَّنه ابن حجر"فتح الباري" (٦/ ٩٨)، وانظر "السلسلة الصحيحة" (٢٤٨٩) والاستيعاب في بيان الأسباب (٢/ ٧٣)، وأصل الحديث في الصحيحين دون ذكر سبب النزول.
(٢) الزواجر عن اقتراف الكبائر (٢/ ١٩٧)
(٣) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (١٨/ ٦٣٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>