للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل إن أثر السحر أنه كان -صلى الله عليه وسلم- يخيَّل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن، وهذا كثيرا ما يقع تخيله للإنسان في المنام فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة. (١)

قال المعلمي اليماني:

وإنما ذاك خاطر عابر، لو فرض أنه بلغ الظن فهو في أمر خاص من أمور الدنيا، لم يتعده إلى سائر أمور الدنيا فضلاً عن أمور الدين، ولا يلزم من حدوثه في ذاك الأمر جوازه في ما يتعلق بالتبليغ، بل سبيله سبيل ظنه أن النخل لا يحتاج إلى التأبير، وظنه بعد أن صلى ركعتين أنه صلى أربعاً، وغير ذلك من قضايا السهو في الصلاة.

وفي القرآن ذكر غضب موسى على أخيه هارون وأخذ برأسه لظنه انه قصَّر مع أنه لم يقصِّر، وفيه قول يعقوب لبنيه لما ذكروا له ما جرى لابنه الثاني (بل سولتْ لكم أنفسُكُم أمراً)، يتهمهم بتدبير مكيدة، مع أنهم حينئذ أبرياء صادقون، وقد يكون من هذا بعض كلمات موسى للخضر، وانظر قوله تعالى عن يونس (فظن أن لن نقدر عليه). (٢)

* وأما قولهم أن ذلك سيكون تصديقاً لمن رمى به المشركون رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم - بأنه مسحور، كما قال تعالى (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٤٧))

* فيقال:

إن المشركين إنما كانوا يرمون النبي -صلى الله عليه وسلم - بالسحر فيما يبلغه عن رب العزة من القرآن، كما قال تعالى (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥)) (ص: ٤ - ٥)

فالمشركون أرادوا بقولهم: {إن تتّبعون إلاّ رجلاً مسحورًا} أنّ أمر النبوة كله سحر، وأن ذلك ناشئ عن الشياطين الذين قد استولوا عليه -بزعمهم- يلقون إليه القرآن ويأمرونه وينهونه، فيصدقهم في ذلك كله ظانًا أنه أنما يتلقى من الله وملائكته، ولا ريب أن الحال التي ذكر في الحديث عروضها له صلى الله عليه وعلى آله وسلم


(١) وانظر فتح الباري (١٠/ ٣١٩) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٢٠٨)
(٢) الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة (ص/٢٥١)

<<  <  ج: ص:  >  >>