للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو في ذلك لا يسعى لسماع مدح من أحد، بل قد جاء الأمر وفاقاً لا قصداً، فقد استوى عنده لإخلاصه مدح الناس وذمهم.

قال ابن القيم:

متى استقرت قدم العبد في منزلة الإخبات وتمكَّن فيها ارتفعت همته، وعلت نفسه عن خطفات المدح والذم، فلا يفرح بمدح الناس ولا يحزن لذمهم، هذا وصف من خرج عن حظ نفسه، وتأهل للفناء في عبودية ربه، وباشر حلاوة الإيمان واليقين قلبه. (١)

٥ - ليس رياءً خلط نية الطاعات بالمباحات:

وصورة المسألة فيمن تقرَّب بقربة ينوي فيها العبادة وأمراً آخر مباحاً، كمن صام بقصد التعبد لله - تعالى - والتداوي بالصوم، ومن توضأ لرفع الحدث والطهارة والتبرد به، فجمهور العلماء على جواز ذلك؛ وذلك لأن الغرض المباح لا يُنافي العبادة، وإن كان ينقص من أجرها.

فمن نوى نية دنيوية بعمل صالح لم يكن هذا قادحاً في أصل إخلاصه؛ فلا بد أن نفرق هنا بين الشرك الذي هو صرف العمل لغير الله تعالى، وبين التشريك في النية، وهو أن يجمع بين نية التعبد لله تعالى، وما أذن الشارع في قصده وطلبه من أمور الدنيا.

* ونذكر من أدلة ذلك:

١ - قال تعالى بعد ذكره لآيات الحج: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

كَانَ ذُو المَجَازِ، وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، حَتَّى نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ ". (٢)


(١) مدارج السالكين (٢/ ٨)
(٢) اخرجه البخاري (١٧٧٠) باب التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية.
قوله: (في مواسم الحج) هذه الجملة ليست من القراءة المتواترة، بل هي قراءة ابن عباس رضي الله عنهما، وهي تفسير منه للآية، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>