للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطبري: "كان ابن عمر وابن مسعود وجماعة من السلف يتهجدون في مساجدهم ويتظاهرون بمحاسن أعمالهم ليقتدى بهم، قال فمن كان إماماً يستن بعمله عالماً بما لله -تعالى- عليه قاهراً لشيطانه استوى ما ظهر من عمله وما خفي لصحة قصده، ومن كان بخلاف ذلك فالإخفاء في حقه أفضل، وعلى ذلك جرى عمل السلف. (١)

٤ - الفرح بالثناء ليس من أبواب الرياء:

والمعنى أن المرء إذا عمل العمل لله -تعالى- خالصاً، ثم ألقى الله -عزوجل- له الثناء الحسن بين المؤمنين، فأثنوا عليه خيراً، ففرح واستبشر لم يضرّه ذلك.

وفي هذا المعنى قد ورد في حديث أبي ذرّ-رضى الله عنه- عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -أنه سئل: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟

قَالَ: «تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ». (٢)

والمعنى أن هذه هي البشرى المعجلة له بالخير، وهي دليل البشرى المؤخَرة إلى الآخرة بقوله تعالى (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (الحديد: ١٢)

وهذه البشرى المعجلة دليل على رضا الله - تعالى- عنه ومحبته له فيحببه إلى الخلق.

قال ابن حزم:

لولا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الثناء الحسن (ذلك عاجل بشرى المؤمن) لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل أكثر من رغبته في المدح بالحق، ولكن إذ جاء هذا القول فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح. (٣)

قال ابن حجر الهيتمي:

لو تمَّ عمله خالصاً فأُثني عليه ففرح لم يضر؛ لخبر مسلم: "تلك عاجل بشرى المسلم". (٤)


(١) فتح الباري ((١١/ ٤٧٠)
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٤٢)
(٣) الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص/٨١)
(٤) الفتح المبين بشرح الأربعين (ص/١٣٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>