للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد خص الله -عز وجل -العرش بهذه الميِّزة العظيمة، وشرفه بها لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم، ألا وهو استواء البارئ- عز وجل- عليه.

* ومما يدل على سعة العرش وعظم خلقه:

ما ورد عن أبي ذر الغفاري -رضى الله عنه- أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:

" ما السَّماوات السّبع في الكُرسيِّ إلَّا كحلقةٍ ملقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ، وفضلُ العرشِ على الكُرسيِّ كفضلِ تلك الفلاةِ على تلك الحلقةِ ". (١)

وعن ابن عباس -رضى الله عنهما- قال:

"الكرسيُّ موضِعُ القدمين، والعرشُ لا يَقْدِرُ أحدٌ قدرَه". (٢)

ومثل هذا مما لا يقال بالرأي، وفيه دلالة بيِّنة على إثبات ابن عباس -رضى الله عنهما- للكرسي، لذا فما يُروى عنه من تأويل للكرسي بأنه العلم فلا يصح. (٣)


(١) رواه بن حبان (٣٦١) وابن أبي شيبة في العرش (رقم: ٥٨)، قال الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٤١١):
صححه ابن حبان، وله شاهد عن مجاهد، أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" بسند صحيح عنه".
وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (١٠٩) بعد ذكره لطرق الحديث:
" وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح "..
(٢) أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص/١٠١) وعبد الله بن أحمد في "السنة" (ص/١٨٣)، وصححه الدارمي في " نقضه على المريسي" (رقم: ٩٤)، وأخرجه الحاكم في المستدرك (٣١١٦)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي. وقد نقل ابن منده في التوحيد (٣/ ٣٠٩) تصحيح عن أبي زرعة، وصححه الشيخ مقبل الوادعي في تخريجه لأحاديث تفسير ابن كثير (١/ ٥٧١)
وقال الألباني في تحقيق مختصر العلو (ص/١٠٢): " هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات".
وانظر" سلسلة الآثار الصحيحة من أقوال الصحابة والتابعين " (٢/ ٢١٦)
(٣) فقد روى الطبري من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنه -أنه قال:
"وسع كرسيُّه: كرسيُّه: " علمه ".
ولكنه لايصح؛ لأن مداره على جعفر بن أبي المغيرة، وفيه لين، كما أنه قد خالف الثقات المكثرين ممن هم أوثق منه من أصحاب سعيد بن جبير.
فقد روى مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه- أنه قال: "الكرسيُّ موضع القدمين"، وهى رواية صحيحة كما سبق بيانه قريباً.
وممن صعَّف هذا الأثر: الدارمي في "الرد على المريسي" (ص/٢٠٨) والذهبي في " العلو " (ص/١١٧) وابن منده في " الرد على الجهمية " (١/ ٢١).
* وكذيك يقال:
أن تفسير الكرسي بالعلم، مخالف بلا أدنى شك لما صح عن النبي- صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - كابن مسعود وأبي موسى، في بيان عظم خلق الكرسي، وأنه أعظم مخلوق. وليس في لغة العرب تفسير الكرسي بالعلم.
قال أبو العباس ابن تيمية:
الكرسي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع جمهور السلف. وقد نقل عن بعضهم: أن " كرسيه " علمه. وهو قول ضعيف؛ فإن علم الله وسع كل شيء كما قال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}، فلو قيل وسع علمه السماوات والأرض لم يكن هذا المعنى مناسباً. انظرمجموع الفتاوى (٦/ ٥٨٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>