للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوعه؛ فهؤلاء كَفَرةٌ بلا شكٍّ لإنكارهم ما دلَّ الكتابُ والسنة عليه دلالةً قطعيةً، وأجمعَ المسلمون على أزلية علم الله.

فمثل هذه الآيات إنما هي من المتشابه الذي يُرَدُّ إلى المُحْكَم من الأدلة التي دلت أنّ علم

الله -تعالى- واسع وشامل لكل شيء، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، فهذا عموم

لا يقبل أي تخصيص.

* ثانياً، وهو ردٌ تفصيلي:

قال ابن عثيمين: "إن المراد بالعلم في هذه الآيات شيئانِ:

أ) الأول:

علم رؤيةٍ وظُهورٍ ومُشاهَدةٍ، أي: لِنَرَى، ومعلومٌ أنّ عِلم ما سيكون ليس كعلم ما كان؛

لأن علم الله -تعالى- بالشيء قبل وقوعه: علمٌ بأنه سيقع، ولكنْ بعدَ وقوعه:

علمٌ بأنه وَقَعَ.

ب) الثاني:

أن المراد بالعلم إنما هو: الذي يترتب عليه الجزاء، أي: لِنَعْلَمَ عِلماً يترتب عليه الجزاء، وذلك كقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ...} [محمد: ٣١].

قَبْلَ أن يبتليَنا قد علمَ مَن هو المطيع ومَن هو العاصي؛ ولكن هذا لا يترتب عليه لا الجزاءُ ولا الثوابُ". (١)

* قال القُرطبي:

"قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}. وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء؛ لأنه إنما يُجازيهم بأعمالهم، لا بعلمه القديم عليهم، فتأويلُه: "حتّى نَعْلَمَ المجاهدينَ عِلْمَ شَهادةٍ"، لِأنّهم إذا أُمِرُوا بالعمل يَشْهَدُ منهم ما عَمِلوا؛ فالجزاء بالثواب والعقاب يقعُ عَلَى علم الشهادة، "ونبلوَ أخباركم": نختبرها ونُظهرها". ا. هـ (٢)


(١) تفسير الكهف (ص/٢٤)
قلت:
بيان ذلك في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤]،
فلو أن الله -تعالى- عاقب أهل الكفر والعصيان بناءً على علمه الأزليّ السابق فيهم لَقالوا: لو جاءتنا الرسل لكُنّا مؤمنينَ؛ وهذه دعاوى كاذبة، فهم كما قال الله -تعالى- فيهم: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا...} [الأنعام: ٢٥].
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٦/ ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>