للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*قال الشنقيطي:

"قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ...} [البقرة: ١٤٣]، ظاهرُ هذه الآية قد يَتَوَهَّمُ منه الجاهلُ أنه -تعالى- يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يَعْلَمُهُ، -سبحانه وتعالى- عن ذلك علوّاً كبيراً، بل هو -تعالى- عالمٌ بكل ما سيكون قبل أن يكون، وقد بيَّن أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه بقوله -جل وعلا-: {... وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: ١٥٤]

فقوله: {والله عليم بذات الصدور} بعد قوله: {ليبتلي} دليلٌ قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئاً لم يكن عالماً به، سبحانه، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً; لأن العليم بذات الصدورغنيٌّ عن الاختبار". (١)

* المرتبة الثانية: الكتابة:

وهو الإيمان بأن الله -تعالى- كتبَ كل شيء في اللوح المحفوظ، فكل ما يكون من الذوات، والصفات والأقوال والأفعال، والحَرَكات والسَّكَنات، والرطب واليابس مكتوبٌ.

ودليل ذلك من القرآن:

قال الله -تعالى-: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: ٥٩]، وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: ٢٢]، وقال سبحانه:

... {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج: ٧٠]، والمراد بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ، وهذه الآية فيها: إثبات العلم، وإثبات الكتابة.

وقال سبحانه: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: ١٢]، وهو اللوح المحفوظ.

وَقَدْ قَالَ تعالى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:


(١) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (١/ ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>