للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يحُول بين جلال وجه الله- تعالى- وبهائه ونُوره وبين خلْقه، فلو كشف هذا الحجاب لأحرقت سبحات وجهه- عز وجل- ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبَصَرُهُ ينتهي إلى جميعِ مَنْ خَلَقَ.

قال ابن القيم:

"فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه، ولو كشف حجاب النور عن تلك السُّبُحات لَاحترقَ العالَمُ العُلْوي والسُّفْلي، فما الظن بجلال ذلك الوجه الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله؟! ". (١)

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ:

"لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي: يَا جَابِرُ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللهُ بِهِ أَبَاكَ؟»

فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ:

«مَا كَلَّمَ اللهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سِتْرٌ». (٢)

قال ابن عمر رضي الله عنهما:

"احتجَبَ الله مِن خَلْقه بأربعٍ: بنارٍ، وظُلمةٍ، ونورٍ، وظُلمةٍ". (٣)

قال الدارمي:

"إنما نقول: احتجب الله بهذه النار عن خلقه بقدرته وسلطانه، ولو قدَّر كشْفها لأحرق نورُ الرب وجلاؤه كلَّ ما أدركه بصرُه، وبصرُه مُدرِك كلّ شيء، كما أنه حين تجلَّى لذلك الجبل خاصّةً مِن بين الجبال، ولو تجلَّى لجميع جبال الأرض لصارت كلها دَكًّا كما صار جبل موسى، ولو تجلَّى لموسى كما تجلَّى للجبل جعَلَه دَكًّا، وإنما خرَّ موسى صَعِقًا مِمّا هاله من الجبل؛ مِمّا رأى مِن صوته حين دُكَّ فصار في الأرض". (٤)

* فرع:

يَظهر مما سبق أن أهل السنة قالوا بظاهر النص، فأثبتوا الحجاب الذي يحُول بين


(١) مختصَر الصواعق (١/ ١٧٣).
(٢) أخرجه الترمذي (٣٠١٠)، وحسّنه.
(٣) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص/ ٣٧)، والحاكم (٣٢٤٤). قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
(٤) نقض الدارمي على المريسي (ص/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>