يقولون: إن العبد فاعلٌ لفعله حقيقةً، وإنّ له قدرةً حقيقيةً واستطاعة حقيقية (١).
**كما أنه يلزم عليه لوازم فاسدة كثيرة تفتح باباً للإلحاد والكفر بهذا الدين، منها:
١ - أنه لو كان العبد غير فاعل على الحقيقة واللهُ هو الفاعل حقيقةً، لَلَزِمَ أن يكون المصلي الصائم العابد هو اللهَ، وأن يكون الزاني السارق القاتل هو الله! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
٢ - ولو كان العبد غير فاعل على الحقيقة، لَكانَ تعذيبه على المعاصي: ظلماً وجُوراً، ولكان إثابته على الطاعات: عبثاً.
٣ - لو كان العبد غير فاعل حقيقةً لَما كان لإرسال الرسل وإنزال الكتب والتبشير والإنذار مَعنًى؛ إذْ لا طائعَ ولا عاصيَ على الحقيقة!
وكيف يكون العبد فاعلاً مختاراً، ثم يقال: إنه فاعلٌ مجازاً؟ فما وقع فعلٌ منه أصلاً!
وأيُّ محذورٍ في أن يقال: إن العبد: فاعلٌ حقيقة، والله: خالِقه وخالق قدرته وإرادته؟! فلا خالقَ إلا اللهُ، وخالق السبب التامّ: خالقٌ للمسبَّب.
ثمّ إن هذا القول الباطل يَعلم بُطْلانه كلُّ عاقلٍ بالمشاهَدة، فنحن نرى زيداً من الناس يأكل ويشرب ويَنكِح؛ فمَن الذي يفعل ذلك حقيقةً؟! أو: ليس له فاعل حقيقة؟!
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦].
وهذا القائل لو جاء زيدٌ هذا فضربَه وشَتَمَه وهَتَكَ عِرضه- هل يلومه على فعله، أم يَعذِرُه لأنه ليس فاعلاً حقيقةً؟!
قال أبو العباس ابن تيمية:
"والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم. والعبد هو المؤمن والكافر، والبَرّ والفاجر، والمصلي والصائم. وللعِبادِ القدرةُ على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم؛ كما قال الله -تعالى-: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩].
(١) لوامع الأنوار البهية (١/ ٣١٢).