للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الرازيّ بعد أن أورد إشكالات على نظرية الكسب:

"وعند هذا التحقيق يَظهر أنّ الكسب اسمٌ بلا مُسمًّى". (١)

وهذا حقيقة قولهم؛ إذ يَلزم من مقارَنة القدرة الحادثة للفعل القول بتكليف العاجز؛ لأن هذه المقارنة لا تؤثر أصلاً؛ إذ إنّ إثبات الأشاعرة مقارنة القدرة الحادثة للفعل ليس بشيءٍ،

ولا طائلَ تحتَه، إذْ لا مَزِيّةَ مِن إثباتها ما لم تؤثر في الفعل أصلاً.

ويقول السنوسي: "ويسمَّى العبد عند خلق الله -تعالى- فيه هذه القدرةَ المقارنةَ للفعل: مختاراً". (٢)

فيتضح من كلامه: أن الكسب يُطلق على خلق القدرة في العبد؛ وعليه فهو اختيار لا معنى له.

لذلك أثبتَ شيخ الإسلام ابن تيمية في غيرما موضعٍ: أنّ مسألة الكسب عند الأشاعرة لا حقيقة لها؛ إذْ ما دام العبد ليس بفاعلٍ ولا له قدرة مؤثرة في الفعل، فالزعم بأنه كاسبٌ، وتسميةُ فعله كسباً: لا حقيقة له.

٣ - قولهم هذا خلافُ الشرعِ، والمشاهَدةِ، ويَلزم عليه لوازمُ باطلةٌ، وحقيقته رجوعٌ إلى قول الجبرية، ويَلزم عليه ما لَزمَ على قول الجبرية، حتى اعتبر الجُوينيّ القولَ إنّ قدرة العبد غير مؤثرة -وهو مذهب أصحابه الأشاعرة- تكذيباً للرسل، وإلغاءً لأوامر الشرع.

ونقل الشهرستانيّ عنه أن "إثبات قدرة لا أثر لها بوجهٍ، فهو كنفْي القدرة أصلاً". (٣)

٤ - قولهم بالكسب على هذا النحو مخالف لقول جماهير أهل السنة، فمذهب سلف الأمة وأئمتها وجمهور أهل السنة المثبِتينَ للقدر من جميع الطوائف أنهم


(١) محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين (ص/٢٨٨).
(٢) شرح أم البراهين (ص/٢١٧).
(٣) المِلل والنِّحَل (١/ ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>