للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَدْلُ الله -تعالى- ظاهرٌ بَيِّنٌ فيه، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً...} [الأنعام: ١١٥]،

ومن شكَّ وارتاب في ذلك فإنَّ هذا {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: ٩٠].

قال ابن كثير:

"ثم قال -تعالى-: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر: ٧٥]، أي: ونطقَ الكونُ أجمعُه -ناطقُه وبَهيمُه- لله رب العالمين بالحمد في حُكمه وعدْله؛ ولهذا لم يُسنِدِ القول إلى قائلٍ، بل أطلقَه؛ فدلَّ على أن جميع المخلوقات شَهِدَت له بالحمد. (١)

قال ابن القيّم:

" {وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فحذَفَ فاعلَ القول لأنّه غيرُ معيَّنٍ، بل كلُّ أحدٍ يحمَده على ذلك الحكم الذي حكم فيه، فيحمده أهل السماوات وأهل الأرض، والأبرار والفجّار، والإنس والجن، حتى أهل النار. قال الحسن أو غيره: "لقد دخلوا النار وإنّ حَمْدَه لفي قلوبهم، ما وجدوا عليه سبيلاً". (٢)

... ألا ترى أنهم ما حَمِدوا ربهم إلا لمَّا رأوا آثار عدْله فيهم؟!

٣) الأصل الثالث: كمال الحكمة:

فلله -تعالى- الحجة البالغة، وله الحكمة الكاملة، ذكرَ - تعالى - حكمته فيما يزيد عن ثمانين موضعاً من كتابه باسمه وصفته.

فهو (الحكيم) الذي يضع الأشياءَ مَواضِعَها، ويُنزلها منازلَها اللائقة بها في خلْقه وأمره، وهو ذو حكمة في قَسْمه وحُكمه، في هدايته وإضلاله لخلقه.

الله أعلم حيث يجعل هدايته، هو الحكيم في أحكامه القدَرية، وأحكامه الشرعية، وأحكامه الجزائية، ومَن أحسنُ من الله حكمةً وحكماً؟!!

هدى هذا بقدَره، ولِعلمه أنّ قلبه أرض طيبة تَقبل الهدى وتتنتفع به، وأضلَّ ذاك بقدره، ولعلمه أنّ قلبه أرض خبيثة لا تقبل الهدى، فـ {أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]،

خذلَه عن مَحَجَّة الطريق


(١) تفسير القرآن العظيم (٧/ ١٢٧).
(٢) روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص/٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>