للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه الحديثُ في قول النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى» ثَلَاثاً.

* الوجه الخامس:

أنَّ بابينِ عظيمينِ يمنعانِ أن يكون لوم موسى لآدم -عليهما السلام- لوماً على ذات المعصية: باب الأدب، وباب العلم...

أمّا باب الأدب:

فإنّ موسى -عليه السلام- آدَبُ مِنْ أنْ يُعَيِّرَ أباه آدمَ -عليه السلام- على معصية قد تاب منها بالفِعْل، فمِثْلُ هذا لا يقع من التلميذ لشيخه؛ فكيفَ بموسى الكَلِيمِ أنْ يلوم أباه على معصيةٍ فَعَلَها، وقد تابَ منها بالفِعْلِ؟!

ولهذا لم يقُل له موسى -عليه السلام-: لماذا أكلتَ من الشجرة؟ وإنما قال له: «أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ؟» (١).

وهذا اللفظ قد رُوي في بعض طرق الحديث، وإنْ لم يكن في جميعها؛ فهو مبيِّنٌ لِما وقعت عليه المَلامة. (٢)

** أمّا باب العلم:

فإنّ موسى -عليه السلام- أعلمُ بالله -عز وجل- من أن يلوم آدم -عليه السلام- على معصية قد تاب منها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فأدبُ موسى -عليه السلام- وعلمُه يَمنعانِهِ من أن يفعل ذلك!

*ولو أنّ آدم -عليه السلام- فَهِمَ أنّ اللوم هو على الذنب لَقالَ -مثلاً-: يا موسى، وأيُّ مَلامةٍ عليَّ وأنا قد تُبْتُ بالفِعْلِ؟!

فلمّا احتجَّ بالكتابة لا بالتوبة، دلَّ ذلك على المراد.

* وعَلَيْهِ فلا وَجْهَ لِأَنْ يُلامَ آدمُ -عليه السلام- لا شرعاً، ولا قدَراً:

لا شرعاً: لأنه قد تاب من ذنبه،

ولا قدَراً: لأنّ خروجه من الجنة كان بقدَر الله - تبارك وتعالى -.

ثم يقال:

ولو أنَّ موسى لَامَ آدم -عليهما السلام- على الذنْب لَأجابَهُ: إنني


(١) وهذه اللفظة قد أخرجها البخاري (٤٧٣٦) ومسلم (٢٦٥٢) وأحمد (٧٣٨٧).
(٢) شِفاء العَليل في مسائل القضاء والقدر والحِكْمة والتعليل (١/ ١٤)، ورفع الشُّبْهة والغَرَر عمن يحتجُّ على فعل المعاصي بالقدر (ص/٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>