للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجَرٍ رَدّاً على مسعود السَّجزيّ:

"هو محجوج بالاتفاق قَبْلَهُ على أنّ "آدم" بالرفع على أنه الفاعل، وقد أخرجه أحمدُ من رواية الزُّهْريّ عن أبي سَلَمةَ عن أبي هُريرةَ بلفظِ: «فحَجَّهُ آدَمُ»، وهذا يرفعُ الإشكالَ؛ فإنّ رُواته أئمّةٌ حُفّاظٌ، والزُّهْرِيُّ مِن كبار الفقهاء الحُفّاظ؛ فروايتُه هي المعتمَدةُ في ذلك". (١)

قال النووي:

"قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَحَجَّ آدمُ مُوسَى» هكذا الروايةُ في جميع كتب الحديث باتفاق الناقلينَ والرُّواةِ والشُّرّاحِ وأهلِ الغَريب، بِرَفْعِ "آدَمَ"، وهو فاعلٌ، أي: غَلَبَهُ بالحُجّة وظَهَرَ عليه بها". (٢)

* ثانياً: التحريف المعنويّ:

وهو تحريف المعنى، مع بقاء اللفظ على ما هو عليه،

والمقصود به: صرْف اللفظ عن ظاهره وما يَفهمه كلُّ عربيٍّ من معناه،

وهو الذي يسميه بعض المتأخرين بالتأويل، وهو أكثرُ خَفاءً من النوع الأول.

وباب التأويل الفاسد وغير المستساغ بابٌ عريضٌ دخلَ منه الزَّنادِقَةُ لِهَدْمِ الإسلام! حيثُ حرَّفوا النصوص، وصَرَفُوهاعن مَعانيها الحقيقية، وحَمَّلُوها من المعاني ما يشتهون، فسَمَّوا التَّحريفَ "تأويلاً"؛ تزييناً له وزَخْرفةً، لِيُقْبَلَ منهم!

وهذه طريقة إبليسَ الذي حرَّفَ اللفظ عن موضعه: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: ١٢٠]، فسمَّى شجرةَ التحريم "شجرة الخُلْد"!

وقد ذم الله الذين زخرفوا الباطل، قال الله - تَعالَى -: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢].

والعِبرة بالحقائق والمعاني، وليست بالألفاظ والتراكيب والمَباني، فكَمْ مِن باطلٍ أُقِيمَ على دليلٍ مُزَخْرَفٍ عُورِضَ به دليلُ الحَقِّ... !


(١) سِيَرُ أعلام النُّبَلاءِ (١٤/ ٥٤)، وفتح الباري (١١/ ٥٠٩).
(٢) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (١٦/ ٢٠٢)، وطرح التثريب في شرح التقريب (٨/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>