للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللهُ لا يَرضَى بِكَثْرةِ فِعْلِنا... لكنْ بأحسَنِهِ معَ الإيمانِ (١)

*وهُنا فائدة مهمة في قول ابن القيم:

واللهُ لا يَرضى بكثرةِ فعلِنا... لكنْ بأحسنِه معَ الإيمانِ

وهي أنّ إصابة السنة خيرٌ من كثرة العمل، وهذا الذي دلَّ عليه حديث أَبِي سَعِيْدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: "خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ، فَتَيَمَّمَا صَعِيداً طَيِّباً، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ، وَلَمْ يُعِدِ الْآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ»، وَقَالَ لِلْآخَرِ: «لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ». (٢)

فقد قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- للذى لم يُعِدْ: «أَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَأَجْزَأتْكَ صَلاتُكَ»، وقال للذي أعاد صلاته: «لكَ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ»: أجرٌ للصلاة الأولى، وأَجْرٌ للصلاة الثانية؛ ولكنَّ إصابة السنَّة أفضلُ من ذلك. (٣)


(١) النونيّة الكافية الشافية (ص/٣٥).
(٢) أبو داود (٣٣٨)، والنسائي (٤٣٣)، وصححه الألباني.
(٣) توضِيح الأحكام مِن بُلوغ المَرام (١/ ٤٢٥).
** قال الشيخ ابن العثيمين -رحمه الله-:
"ومِن فوائد هذا الحديث: أنّ الإنسان إذا فعلَ العبادة يَظنُّ أنّ فِعلها واجبٌ عليه، فإنّه يُثابُ على ذلك ولو أخطأَ؛ لأنه عَمِلَ طاعةً لله، وتقرُّباً إليه، فيؤجرُ على هذا.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ إصابة السنة خيرٌ من كثرة العمل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي لم يُعِدْ: «أَصَبْتَ السُّنّةَ»، ومعلومٌ أنّ إصابة السنة خيرٌ من كثرة العمل.
فإن قال قائل: وهل لو أعاد أحدٌ الآنَ بعد أن تبيّنت السنةُ، لو أعاد الصلاةَ بعد وجود الماء، هل يؤجر أو لا يؤجر؟
نقول: إنه لو كان عَلِمَ بالسنة فإنه لا يؤجرُ، بل لو قيل: إنه يأثم لَكانَ له وجهٌ؛ لأنه إذا وجدَ الماء بعد انتهاء الصلاة، فإنه ليس عليه إعادة؛
لكنه لو لم يَعلم بالسنة وأعادَ بناءً على أنّ ذلك هو الواجب عليه، فإنّ الحُكم واحد، بمَعنى: أنّ الحُكم الذي حكمَ به الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي أعاد ينطبقُ تماماً على مَن جَهِلَ السنّة في عصرٍ وأعادَ". ا. هـ
وانظر فتْح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المَرام (١/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>