قوله -صلى الله عليه وسلم-: «وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ...»:
في قوله -صلى الله عليه وسلم- «وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ...» رد على النصارى، وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- «ورَسولُهُ» رد على اليهود.
وهكذا تكون شهادة الحق لعيسى -عليه السلام- بين المغالاة والمجافاة، بين غلوّ النصارى الذين أَلَّهُوه مِن دُون الله، وبين جفوِّ اليهود الذين كذَّبوه، وزعَموا أنهم صلَبوه!
**وبَيْنَ هذا وذاك جاءت وسطية أمّة الإسلام، أمة الإسلام التي هي أَوْلى بكلِّ نبيٍّ كذَّبَه قومُه، وقد تجلَّت هذه الوسطية في نبي الله عيسى -عليه السلام- كما ورد في حديث الباب، وذلك باعتقاد بَشَرية عيسى -عليه السلام-، مع الإيمان برسالته إلى بني إسرائيل.
** وما ورد في حديث الباب من الاعتقاد في عيسى -عليه السلام- قد نص عليه كتاب الله -تعالى-: قال -تعالى-: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[التحريم: ١٢]، فَأَرْسَلَ اللهُ -تعالى- إِلَيْهَا رُوحَه جبريلَ -عليه السلام- فنَفَخَ في جَيْبِ دِرْعِها، فنزلت النَّفْخةُ حتى وَلَجَتْ فَرْجَها، فصارت حاملاً مِن ساعَتِها.
فعيسى كلمةُ الله، وقد سُمِّيَ عيسى -عليه السلام- "كلمةَ الله"؛ لوُجوده ولخَلْقه بكلمةٍ من الله مِن غيرِ أبٍ: قال -تعالى-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: ٥٩]؛ فبقوله -تعالى- {كُن} خُلِقَ عيسى -عليه السلام-، فإنّ "كن" هي كلمة الله -عز وجل-، وهي الكلمة التي ألقاها إلى مريم، وكلمةُ الله ليست مخلوقة، وعيسى -عليه السلام- مخلوقٌ.