للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا سألتَ: فما مقصدهم من ذلك؟

نقول:

إنما أرادوا أن يؤسسوا أصلاً باطلاً، وهو أن الافتراق الذي عناه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما هو افتراق الناس إلى المِلل، وليس افتراق أهل الإسلام إلى مذاهب وفرق تنتسب إلى الإسلام، هكذا قالوا.

وعليه فتكون الفرقةُ الناجيةُ التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: هي «الْجَمَاعَةُ» - وفي رواية: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» - على تفسيرهم:

هي كل من قال: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله"، سواء أكان جَهْمياً أم حُلولياً أم قدَرياً أوقُبورياً.

وقالوا:

إن الشرك لن يقع في الأمة؛ لحديث النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«وَاللَّهِ، مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا»، أي: أن تتنازعوا وتختصموا على الدنيا) (١)، وقول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

«إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» (٢).

*والصحيح - والله أعلم - أن المراد بقول صلى الله عليه وسلم: " «وستفترق أمتي...» ":

هى أمة الإجابة، وليست أمة الدعوة؛ وإنما رجحنا هذا المعنى للسباق والسياق واللِّحاق، ففي السباق ذكر الرسولُ صلى الله عليه وسلم افتراق اليهود والنصارى، وهي أمة الدعوة،، وفي اللحاق ذكرَ صلى الله عليه وسلم الفرقةَ الناجية، فقال:

«مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي». وفي السياق ذكرَ صلى الله عليه وسلم قوله: «وستفترق أمتي...»، فدل أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد أمة الإجابة فَقَطْ.

ومما يؤيد ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم: «وستفترق أمتي...»، أي: إنه أمرٌ سوف يحدث في المستقبل، وأما افتراق اليهود والنصارى فقد تفرقت قبل ذلك؛ ومما يؤيد ذلك: أن المتتبع لفظة "أمتي" التي وردت في الألفاظ النبوية يجد أنها


(١) رواه البخاري (١٣٤٤).
(٢) أخرجه مسلم (٢٨١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>