للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وهنا تنبيه:

أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء نار الكافرين وعَدِّه من البدع -كما زعم بعضُهم، فالمسألة خلافية، وإن كان الجمهور لا يرَوْن القول بذلك، لكنه لم يتمَّ إجماعٌ على إنكاره، وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يُبتدع فيها.

فالقول بفناء النار وَحْدَها - وإنْ كان مخالفاً للصواب ومجانِباً للحق ولكنّ وصْفُه بالبدعة فضلاً عن وصفه بالكفر محلُّ نظرٍ؛ لاعتماد القائلين به على اجتهادٍ في فَهْم بعض النصوص الشرعية وآثارٍ تُروَى عن السلف في ذلك.

* عَودٌ إلى حديث الباب:

قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أدخلَه اللهُ الجنةَ على ما كان من عملٍ»:

قوله: «على ما كان من العمل» يحتمل أمرينِ:

أ) الأول:

أن يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ، على حَسَبِ أعمال كلِّ واحد منهم تكون الدرجات (١)، كما قال -تعالى-: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف: ١٩].

ب) الثاني:

يعني أنّ: مآل العبد هو الجنة ما دام آتياً بهذه الشهادات الخَمْس مَهْما وقع في ذنوب، وإنْ أصابه قَبْلَ ذلك ما أصابه.

قال القرطبيّ:

"قوله «على ما كان من عمل» أيْ: يُدخله الجنَّة -ولا بُدَّ- سواءٌ كان عمله صالحاً أو سيئاً، وذلك بأن يغفر له السيّئَ بسبب هذه الأقوال، أو يُربيَ ثوابَها على ذلك العملِ السيئِ، وكلُّ ذلك يحصل إن شاء الله -تعالى- لِمن مات على تلك الأقوال، إمّا مع السلامة المطلَقة، وإمّا بَعْدَ المؤاخَذةِ بالكبائر". اهـ (٢)

في قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ على ما كانَ منَ الْعَمَلِ»:

فيه ردٌّ على الخوارج والمعتزلة الذين يكفِّرون صاحب الكبيرة، ويخلِّدونه في النار إنْ مات مُصِرّاً عليها،


(١) فتح الباري شرح صحيح البخاري (٦/ ٤٧٥).
(٢) الكوكب الوَهّاج شرح صحيح مسلم بن الحَجّاج (٢/ ٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>