للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-- وقد رد أهل السنة على هذه الشبهة من وُجوهٍ:

الأول:

إن الخلود في الآية إنما هو لمُستحِلِّ القتل، فهذا كافر إجماعاً، وفي هذا يقول الطبري عند تفسير هذه الآية: "قوله: "متعمداً" أيْ: مستحِلّاً قَتْلَه".

ويقول القرطبي حاكياً ما رُوي عن ابن عباس في معنى قوله تعالى: "متعمداً" أنّه قال: "متعمداً أيْ: مستحلاً لقتْله، وهو ما يؤدي إلى الكفر إجماعاً، والكافر مخلَّد في النار". (١)

الثاني:

إن القول بخلود شخص في النار - ومن ذلك القاتل عمداً - لا بد فيه من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ومن هذه الموانع التي تمنع من الخلود في النار:

أن يموت القاتل على التوحيد؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، وقوله تعالى:

{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: ٧٢]

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ "لا إلَهَ إلّا اللهُ" يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ» (٢).

ومِثل هذا الجواب يقال في كل دليلٍ نصَّ على خلود فاعل الكبيرة في النار.

** ومما يدل على أنّ لفظ "الخُلود" في حق أصحاب الكبائر ليس على ظاهره: أنّ قوله -صلى الله عليه وسلم-:

«مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» أنه قد جاء في حديث آخرَ يبيّن أن قاتل نفسه ليس بكافر.

فقد روى جابر - رضي الله عنه - أن رَجُلاً مَرِض فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟

فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى


(١) جامع البيان في تأويل القرآن (٦/ ٩١)، والجامع لأحكام القرآن (٥/ ٣٣٤).
(٢) متفق عليه. والمراد: تحريم التخليد، أو تحريم دخول النار المُعَدّة للكافرينَ، لا الطَّبَقةِ المعَدّة للعُصاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>