للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* أمّا الرد على استدلالهم بقوله تعالى:

... {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١] فهذه الآية نزلت في اليهود بدلالة الآية التي سبقتها، وهي قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٨٠]، فالآية إخبار عن اليهود فيما نقلوه وادَّعَوْه لأنفُسهم من أنْ لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة كما ذكرَ ابن كثير في تفسيره.

كذلك قد ذكرَ القرطبي أنّ كلمة "سيئةً" تعني في الآية: الشِّرْكَ، كما نقلَه ابن جريج عن عطاء. (١)

* قال عبد الرحمن السِّعْدي:

"قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١] قد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية؛ وهي حجة عليهم، فإنها ظاهرة في الشرك، بدليل قوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ}، أيْ: أحاطت بعامِلِها، فلم تَدَعْ له مَنفذاً، وهذا لا يكون إلا الشرك، فإنّ مَن معه الإيمانُ لا تُحيطُ به خطيئتُه؛ وهكذا كلُّ مُبْطِلٍ يحتج بآية أو حديث صحيح على قوله الباطل فلا بد أن يكون فيما احتج به حُجّةٌ عليه". (٢)

* استدلالهم بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣]:

استدل المعتزلة بهذه الآية على أن قتل المؤمن على وجه التعمُّد- يستحق به الخلود في النار، ولا يمكن حمل الكلام في الآية على الكافر؛ لأنّ "مَنْ" لفظٌ عامٌّ، ولأنّ الله جعل ذلك الجزاء لهذا الفعل المخصوص. (٣)


(١) انظر تفسير القرطبي (٢/ ١٢)، ومختصر تفسير ابن كثير (١/ ٧١).
(٢) وانظر تيسير الكريم الرحمن (١/ ٧٥)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة (ص/٢٢١).
(٣) وهذه الآية أحد الأدلة التي استدل بها القاضي عبد الجبار المعتزليُّ على كفر فاعل الكبيرة. وانظر شرح الأصول الخمسة (ص/٦٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>