للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: الرد على الأصل الثاني الذي بنَوْا عليه ردَّهم لأحاديث الشفاعة:

قد بنَوْا قولهم في رد الشفاعة في أصحاب الكبائر على جملة من الأدلة التي أفاد ظاهرُها كُفرَ فاعل الكبيرة وخلودَه في النار؛ وعليه قد جعلَ المعتزلةُ

"مسألة الوعيد" هي أحدَ أُصولِهم الخمسة، ومفادها: أنّ المسلم إذا خرج من الدنيا بكبيرة من الكبائر دون أن يتوب منها- يستحق الخلود في النار، ولا يدخل تحت المشيئة. (١)

الأدلة التي بنوا عليها هذا الأصل:

قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا...} [النساء: ٩٣]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩)} [الفرقان]

وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا". (٢)

وقوله صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» (٣)، ونحو ذلك من الآيات والأحاديث.


(١) والأَوْلى أن يقال:
إنّ القول بخلود فاعل الكبيرة في النار على التأبيد- إنّما هو قول جمهور المعتزلة، لا جميعِهم، أمّا ما نقله القاضى عبد الجبّار من إجماع المعتزلة على كفر فاعل الكبيرة، وأنه مخلَّد في النار كالكافر- فهذا إجماعٌ منه فيه نظرٌ؛ فقد قال البغداديّ:
"دعوى إجماع المعتزلة على أن الله - سبحانه - لا يغفر لمُرتكبي الكبائر من غير توبةٍ منهم- غلطٌ مِنْهُ عليهمْ؛ لأنّ محمد بن شبيب البصريَّ والصالحيَّ والخالديَّ هؤلاءِ الثلاثة مِن شيوخ المعتزلة، وهم واقفيّةٌ في وعيد مرتكبي الكبائر، وقد أجازوا من الله - تعالى - مغفرةَ ذنوبِهم مِن غير توبةٍ"؛ لذا قد خصَّ الأشعري الإجماعَ بأهل الوعيد منهم، فقال:
"وأجمعَ أصحاب الوعيد من المعتزلة أنَّ مَن أدخله الله -تعالى- النارَ خلَّدَه فيها".
وانظر الفَرْقُ بين الفِرَقِ (ص/٩٦) والوعد الأخروي (١/ ٤٥٩)،.
(٢) متفق عليه.
(٣) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>