للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولاً: إجماع المفسرين على أن المراد بالنَّفْس في قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً...} هي النفس الكافرة، لا كلُّ نفسٍ، فهي من العامّ الذي أُرِيدَ به الخاصُّ.

يقول القرطبي:

"أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ...} الآية: النفس الكافرة، لا كل نفس". (١)

ويقول الطبري:

"قوله تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ...} الآية إنما هي لمن مات على كفره غيرَ تائب إلى الله -عز وجل-؛ فعلى هذا يكونُ من العامِّ الذي أُرِيدَ به الخاصُّ". (٢)

ثانياً:

أن السِّباق والسِّياق واللحاق من المقيِّدات والمرجِّحات، فالآية التي قبلَها، والآية التي بعدها إنما يوجَّه فيهما الخطاب إلى بني اسرائيل: فقد قال -تعالى- قبلها: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ...}، وقال بعدها: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ...}؛ فتعَّينَ بذلك أنهم هم المَعْنِيُّونَ بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ...}.

ثالثاً:

أن الآية ليست دليلاً لمُنكِرِي الشفاعة؛ لأنّ قوله تعالى: "يوماً" أخرجَه مُنكَّراً، ولا شكَّ أنّ في القيامة مَواطنَ، ويَومُها معدودٌ بخمسينَ ألفَ سَنةٍ، فبعض أوقاتها ليس زماناً للشفاعة، وبعضها هو الوقت الموعود، وفيه المقام المحمود لسيِّد البشر -عليه أفضل الصلاة والسلام-.

قد وردت آيٌ كثيرةٌ تُرشد إلى تعدُّد أيامها واختلاف أوقاتها، منها: قوله تعالى: {فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ} [المؤمنون: ١٠١] مع قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ} [الصافات: ٢٧]؛ فيتعيَّن حملُ الآيتين على يومين مختلفين متغايِرَيْنِ: أحدهما محلٌّ للتساؤل، والآخرُ ليس محلّاً له؛ وكذلك الشفاعة". (٣)


(١) الجامع لأحكام القرآن (١/ ٣٧٩)
(٢) جامع البيان في تأويل القرآن (١/ ٢٣).
(٣) الانتصاف فيما تضمَّنه الكشّاف (١/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>